فصل: بَابُ مَا لاَ يَجِبُ فِيهِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


بَابُ مَا لاَ يَجِبُ فِيهِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا فُقِئَتْ وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ وَفِي كُلِّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَرْشٌ مَعْلُومٌ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ أَخْبَرَنِي أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَاللِّسَانِ الْأَخْرَسِ وَذَكَرِ الْخَصِيِّ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِمِثْلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ نَرَى فِي ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا فُقِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ وَكُلُّ نَافِذَةٍ مِنْ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ ثُلُثُ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ الدِّيَةُ‏,‏ وَكَذَلِكَ ذَكَرُ الرَّجُلِ تُقْطَعُ أُنْثَيَاهُ وَيَبْقَى ذَكَرُهُ تَامًّا كَمَا هُوَ‏,‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ‏؟‏ قِيلَ أَرَأَيْت الذَّكَرَ إذَا كَانَتْ فِيهِ دِيَةٌ أَبِخَبَرٍ لاَزِمٍ هِيَ‏,‏ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَفِي الْخَبَرِ اللَّازِمِ أَنَّهُ ذَكَرُ غَيْرِ خَصِيٍّ‏,‏ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ فَلِمَ خَالَفْتُمْ الْخَبَرَ‏,‏ فَإِنْ قَالَ لِأَنَّهُ لاَ يُحْبِلُ قِيلَ أَفَرَأَيْت الصَّبِيَّ يُقْطَعُ ذَكَرُهُ أَوْ الشَّيْخُ الَّذِي قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ أَمْرُ النِّسَاءِ أَوْ الْمَخْلُوقُ خَلْقًا ضَعِيفًا لاَ يَتَحَرَّكُ‏,‏ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ فِي هَذِهِ الدِّيَةُ فَقَدْ جَعَلُوهَا فِيمَا لاَ يُحْبِلُ وَلاَ يُجَامِعُ بِهِ وَذَكَرُ الْخَصِيِّ يُجَامِعُ بِهِ أَشَدَّ مَا كَانَ الْجِمَاعُ قَطُّ وَلاَ أَعْلَمُ فِي الذَّكَرِ نَفْسِهِ مَنْفَعَةً إلَّا مَجْرَى الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ وَهُمَا قَائِمَانِ وَجِمَاعُهُ أَشَدُّ مِنْ جِمَاعِ غَيْرِ الْخَصِيِّ فَأَمْرُ الْوَلَدِ شَيْءٌ لَيْسَ مِنْ الذَّكَرِ إنَّمَا هُوَ بِمَنِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ الصُّلْبِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ‏}‏ وَيَخْرُجُ فَيَكُونُ وَلاَ يَكُونُ وَمِنْ أَعْجَبِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَعَمَ إنْ قُطِعَ أَوَّلاً ثُمَّ قُطِعَتْ الْأُنْثَيَانِ بَعْدُ فَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَإِنْ قُطِعَتْ الْأُنْثَيَانِ قَبْلُ‏,‏ ثُمَّ قُطِعَ الذَّكَرُ فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ حُكُومَةُ عَدْلٍ‏,‏ فَإِنْ قَالُوا فَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا الدِّيَةَ فِي الذَّكَرِ إذَا ذَهَبَ الْأُنْثَيَانِ لِأَنَّ أَدَاتَهُ الَّتِي يُحْبِلُ بِهَا الْأُنْثَيَانِ فَهَلْ فِي الْأُنْثَيَيْنِ مَنْفَعَةٌ أَوْ جَمَالٌ غَيْرَ أَنَّهُمَا أَدَاةٌ لِلذَّكَرِ‏,‏ فَإِنْ قَالُوا لاَ‏.‏ قِيلَ لَهُمْ أَرَأَيْتُمْ الذَّكَرَ إذَا اُسْتُؤْصِلَ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لاَ يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ يَصِلُ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ فَتَحْبَلُ بِهِ لِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ فِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ إذْ الْأُنْثَيَانِ إذَا كَانَتَا أَدَاةَ الذَّكَرِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِمَا دِيَةٌ لِأَنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِمَا وَلاَ جَمَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَا أَدَاةً لِلذَّكَرِ وَقَدْ ذَهَبَ الذَّكَرُ وَالذَّكَرُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِالْجِمَاعِ فَأَبْطَلْتُمْ فِيهِ الدِّيَةَ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ وَهُوَ الَّذِي لَهُ الْأَدَاةُ وَأَثْبَتُّمُوهَا فِي الْأُنْثَيَيْنِ اللَّتَيْنِ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا هُمَا أَدَاةٌ لِغَيْرِهِمَا وَقَدْ بَطَلَتَا بِأَنْ ذَهَبَ الشَّيْءُ الَّذِي هُمَا أَدَاةٌ لَهُ وَالذَّكَرُ لاَ يَبْطُلُ بِذَهَابِ أَدَاتِهِ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ بِهِ وَتَنَالُ مِنْهُ‏,‏ فَإِنْ قَالُوا فَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالْأُنْثَيَانِ قَائِمَتَانِ قِيلَ فَهَكَذَا الذَّكَرُ قَائِمٌ وَهَكَذَا احْتَجَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَكُلِّ مَا لَزِمَهُ الِاسْمُ وَلَمْ نَلْتَفِتْ إلَى مَنَافِعِهِمَا كَذَا كَانَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقِفُوا فِي الذَّكَرِ وَهَكَذَا قُلْنَا وَأَنْتُمْ الْيَدُ الْيُمْنَى الْبَاطِشَةُ الْكَاتِبَةُ الرَّفِيقَةُ كَالْيَدِ الْيُسْرَى الضَّعِيفَةِ الَّتِي لاَ تَبْطِشُ وَلاَ تَكْتُبُ فَأَمَّا الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ فَإِنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَصْلُ مَا تَذْهَبُونَ إلَيْهِ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ تُخَالِفُوا الْوَاحِدَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ قُلْتُمْ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا فُقِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ كُنْتُمْ وَافَقْتُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ إذْ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا خَالَفَهُ فَإِذَا قُلْتُمْ قَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنْ يَكُونَ اجْتَهَدَ فِيهَا فَرَأَى الِاجْتِهَادَ فِيهَا قَدْرَ خُمُسِهَا قِيلَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِهِ فَأَمَّا كُلُّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ فَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا أَكْثَرَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجِرَاحُ الْبَدَنِ مُخَالِفَةٌ جِرَاحَ الرَّأْسِ فِيهَا حُكُومَةٌ‏,‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنْ جِرَاحَ الْبَدَنِ مُخَالِفَةٌ جِرَاحَ الرَّأْسِ‏؟‏ قِيلَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَكَانَ الَّذِي أَحْفَظُ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيت أَنَّ الْمُوضِحَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْوَجْهُ رَأْسٌ كُلُّهُ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ قُطِعَا مَعًا وَإِنْ كَانَ يَتَفَرَّقُ فِي الْوُضُوءِ وَكَأَنَّ الرَّأْسَ إذَا ذَهَبَ ذَهَبَ الْوَجْهُ فَلَوْ قِسْت الْمُوضِحَةَ فِي الضِّلْعِ عَلَى الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ قَضَيْت بِنِصْفِ عُشْرِ بَعِيرٍ لِأَنِّي أَقْضِي فِي الضِّلْعِ إذَا كُسِرَ بِبَعِيرٍ وَذَلِكَ أَنِّي أَقْضِي فِي الرَّأْسِ إذَا كُسِرَ وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُومًا بِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ فَيَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ إنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ‏,‏ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْبَدَنِ دَاخِلَةٌ فِي الْمُوضِحَةِ الَّتِي قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الِاسْمَ يَجْمَعُهُمَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَالِفَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَاسَ الْمُوضِحَةَ فِي الْجَسَدِ أَوْ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَيَقُولُ قَوْلاً مُحَالاً فَيَجْعَلُ فِي الْمُوضِحَةِ فِي الضِّلْعِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَالضِّلْعُ نَفْسُهُ لَوْ كُسِرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا بَعِيرٌ وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏ حِفْظِي عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ فِي كُلِّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الْجِرَاحِ وَفِي الضِّلْعِ وَالتَّرْقُوَةِ حُكُومَةٌ‏.‏

بَابُ دِيَةِ الْأَضْرَاسِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي كُلِّ ضِرْسٍ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مُقَدِّمُ الْفَمِ وَمُؤَخِّرُهُ سَوَاءٌ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي كُلِّ ضِرْسٍ بَعِيرٌ وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَجَعَلْت فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ‏.‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ النَّخَعِيِّ فِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ الْعُشْرِ مُقَدِّمُ الْفَمِ وَمُؤَخِّرُهُ سَوَاءٌ‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَرْسَلَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَا فِي الضِّرْسِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ فِيهِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَفَتَجْعَلُ مُقَدِّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ‏؟‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْلاَ أَنَّك لاَ تَعْتَبِرُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ‏.‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ الْأَسْنَانُ عَقْلُهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ‏.‏ وَأَخْبَرَنَا بُكَيْر بْنُ عَامِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَالْأَضْرَاسُ أَسْنَانٌ‏,‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت‏؟‏ قِيلَ لَهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ‏}‏ فَكَانَتْ الضِّرْسُ سِنًّا فِي فَمٍ لاَ تَخْرُجُ مِنْ اسْمِ السِّنِّ‏,‏ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تُسَمَّى بِاسْمٍ دُونَ السِّنِّ قِيلَ‏,‏ وَكَذَلِكَ الثَّنِيَّتَانِ يُمَيَّزَانِ مِنْ الرَّبَاعِيَتَيْنِ وَالرَّبَاعِيَتَانِ تُمَيَّزَانِ مِنْ الثَّنِيَّتَيْنِ‏,‏ فَإِنْ كُنْت إنَّمَا تُفَرِّقُ بَيْنَهَا بِالتَّمْيِيزِ فَاجْعَلْ أَيَّ هَذَا شِئْت سِنًّا وَاحْكُمْ فِي غَيْرِهِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ‏,‏ فَإِنْ قَالَ لاَ‏,‏ هِيَ عِظَامٌ بَادِيَةُ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ مُجْتَمِعَةٌ مَخْلُوقَةٌ فِي الْفَمِ قِيلَ وَهَكَذَا الْأَضْرَاسُ وَهَكَذَا الْأَصَابِعُ مُجْتَمِعَةٌ فِي كَفٍّ مُتَبَايِنَةِ الْأَسْمَاءِ مِنْ إبْهَامٍ وَمِسْبَحَةٍ وَوُسْطَى وَبِنْصِرٍ وَخِنْصَرٍ‏,‏ ثُمَّ اسْتَوَى بَيْنَهَا مِنْ قِبَلِ جِمَاعِ الْأَصَابِعِ مَعَ تَبَايُنِ مَنْفَعَتِهَا وَالضِّرْسُ أَنْفَعُ فِي الْمَأْكُولِ مِنْ الثَّنِيَّتَيْنِ‏,‏ وَالثَّنِيَّتَانِ أَنْفَعُ فِي إمْسَاكِ اللِّسَانِ مِنْ الضِّرْسِ فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ غَيْرُ قَوْلِ شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَهُ حُجَّةً فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَوْ ذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّ عُمَرَ يُخَالِفُهُ هَلْ كَانَتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِتَقْلِيدِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا وَعَلَيْهِ لَهُ بِتَقْلِيدِ عُمَرَ حُجَّةٌ‏.‏

بَابُ جِرَاحِ الْعَبْدِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه كُلُّ شَيْءٍ يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ مُوضِحَةٍ أَوْ مُنَقِّلَةٍ أَوْ مَأْمُومَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى مِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ فِي كُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ لَهُ أَرْشٌ مَعْلُومٌ مِنْ الْحُرِّ السِّنُّ وَالْمُوضِحَةُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَفِي مُوضِحَتِهِ أَرُشُّهَا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ عَيْنُهُ وَفِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ وَفِي مُنَقِّلَتِهِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ وَفِي مُنْقِلَتِهِ عُشْرٌ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ وَمَأْمُومَتُهُ وَجَائِفَتُهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ فَوَافَقُوا أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ وَقَالُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ جَازَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَتَحَكَّمُوا فِي هَذَا فَيَخْتَارُوا هَذِهِ الْخِصَالَ الْأَرْبَعَ مِنْ بَيْنِ الْخِصَالِ‏؟‏ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَالُوا فَنَحْنُ نَزِيدُ خُصْلَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ فَإِنَّا نَزِيدُ ثَلاَثَ خِصَالٍ أُخَرَ مَا الَّذِي يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْصِفَ النَّاسَ وَلاَ يَتَحَكَّمَ فَيَقُولَ قُولُوا بِقَوْلِي مَا قُلْت مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيمَا قَالُوا مِنْ هَذَا بِأَثَرٍ فَتَنْقَادُ لَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا أَثَرٌ يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ جَاءُونَا بِهِ فَمَا سَمِعْنَا مِنْ آثَارِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا فَيَنْبَغِي الْإِنْصَافُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ أَوْ غَيْرِهَا مَا نَقَصَ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ نَقُولُ فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يُخَالِفُنِي فِيهِ نَقُولُ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ سِلْعَةً فَمَا نَقَصَتْ جِرَاحَتُهُ مِنْ ثَمَنِهِ كَانَ فِي جِرَاحَتِهِ كَمَا نَقُول ذَلِكَ فِي الْمَتَاعِ أَرَأَيْت إذْ كُنْت تَزْعُمُ أَنَّ عَقْلَ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَلِمَ لَمْ تَقُلْ هَكَذَا فِي الْبَعِيرِ يُقْتَلُ وَالْمَتَاعُ يَهْلِكُ‏؟‏ قُلْت قُلْته مِنْ قِبَلِ مَا يَلْزَمُك مِثْلُهُ زَعَمْت أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَأَنَّ جِرَاحَهَا بِقَدْرِ دِيَتِهَا كَجِرَاحِ الرَّجُلِ فِي قَدْرِ دِيَتِهِ وَقُلْت لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يُخَالِفُنَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةٍ ثُمَّ تَزْعُمُ أَنَّ جِرَاحَهُمْ فِي دِيَاتِهِمْ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ فَلَمَّا كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ نَقُولُ دِيَةَ الْعَبْدِ ثَمَنُهُ خَبَرًا لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي جِرَاحِهِ إلَّا هَكَذَا لِأَنَّا لَمْ نُبْطِلْ الْجِرَاحَ بِاخْتِلاَفِ الدِّيَاتِ‏.‏ قَالَ فَهَلْ يُجَامِعُ الْبَعِيرَ وَالْمَتَاعُ فِي رَقَبَتِهِ بِثَمَنِهِ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ دِيَتُهُ ثَمَنُهُ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَهَكَذَا الْحُرُّ يُجَامِعُ الْبِرْذَوْنَ فَيَكُونُ ثَمَنُهُ مِثْلَ دِيَةِ الْحُرِّ وَلَكِنَّهُ فِي الْبِرْذَوْنِ قِيمَتُهُ‏,‏ فَإِنْ قَالَ مَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا‏؟‏ وَلِمَ قِسْته عَلَى الْحُرِّ دُونَ الدَّابَّةِ قُلْنَا بِمَا لاَ تُخَالِفُنَا فِيهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ قَضَى اللَّهُ فِي النَّفْسِ تُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ وَتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَقَضَى بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُعَاهِدِ فَجَعَلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ رَقَبَتَيْنِ وَالدِّيَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَكُلُّ دِيَةٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ رَقَبَتَيْنِ وَدِيَتَاهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ‏,‏ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قُتِلَ كَانَ عَلَى قَاتِلِهِ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ يُعْتِقُهَا فَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّقَبَةَ فِي الْقَتْلِ حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا الرَّقَبَةُ فِي النَّفْسِ مَعَ الْقِيمَةِ وَالْمَتَاعُ قِيمَةٌ لاَ رَقَبَةَ مَعَهَا أَوَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلاَلَةِ مَا وَصَفْت وَجَهِلْنَا هَذَا أَوْ عَمِينَا عَنْهُ فَكَانَ يُجَامِعُ الْبَعِيرَ فِي أَنَّ فِيهِ قِيمَةً وَفِي الْمَتَاعِ قِيمَةً وَيُجَامِعُ الْأَحْرَارَ فِي أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةً وَفِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ كَانَ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ وَإِذَا جَرَحَهُ كَانَ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ عِنْدَنَا وَفِي أَنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْحُرِّ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ أَلَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَالَمِينَ إذَا كَانَ آدَمِيًّا أَنْ يَقِيسُوهُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَلاَ يَقِيسُوهُ عَلَى الْبَهَائِمِ وَلاَ عَلَى الْمَتَاعِ وَأَصْلُ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا لَوْ كَانَ شَيْءٌ لَهُ أَصْلاَنِ وَآخَرُ لاَ أَصْلَ فِيهِ فَأَشْبَهَ الَّذِي لاَ أَصْلَ فِيهِ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ فِي مَعْنَيَيْنِ وَالْآخَرَ فِي مَعْنًى كَانَ الَّذِي أَشْبَهَهُ فِي مَعْنَيَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الَّذِي أَشْبَهَهُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ فَهُوَ آدَمِيٌّ مُجَامِعٌ لِلْآدَمِيِّينَ فِيمَا وَصَفْت وَلَيْسَ مِنْ الْبَهَائِمِ وَلاَ الْمَتَاعِ الَّذِي لاَ فَرْضَ عَلَيْهِ بِسَبِيلٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَى أَصْحَابِنَا وَعَلَى مَنْ يُخَالِفُنَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي بَعْضِ هَذَا وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي أَصْلِ قَوْلِهِمْ إلَّا الْجِرَاحَ وَيَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ يَقُصُّونَ الْعَبْدَ مِنْ الْحُرِّ فِي النَّفْسِ أَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُوضِحَتُهُ وَمَأْمُومَتُهُ وَمُنَقِّلَتُهُ وَجَائِفَتُهُ فِي ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ فَهَذَا لاَ مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَلَقَدْ خَرَجَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَقَاوِيلِ بَنِي آدَمَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُهُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَإِنَّهُ خَالَفَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ عَقْلَ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ وَلاَ نَرَاهُ أَرَادَ إلَّا الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا يُقَوَّمُ سِلْعَةً فَلاَ هُوَ قَوَّمَهُ سِلْعَةً وَلاَ هُوَ جَعَلَ عَقْلَهُ فِي ثَمَنِهِ فَخَرَجَ مِنْ قَوْلِ الْمُتَّفِقِينَ وَالْمُخْتَلِفِينَ‏.‏

بَابُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى لاَ قِصَاصَ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ فِيمَا بَيْنَهُمْ إلَّا فِي النَّفْسِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَتِهِ بَيْنَ الْأَحْرَارِ نَفْسُ الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَجُرْحُهَا كَجُرْحِهِ‏.‏ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا مُتَعَمِّدًا فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ‏,‏ فَإِنْ عَفَا رَجَعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ إلَى مَوْلاَهُ وَلاَ سَبِيلَ لِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ عَلَيْهِ‏.‏ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بِالْخِيَارِ‏,‏ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ‏,‏ فَإِنْ أَخَذَ الْعَقْلَ أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَعْطَى ثَمَنَ الْمَقْتُولِ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ أَنْ يَقْتُلَهُ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ‏.‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْعَبْدَ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ هَذَا الْوَجْهَ أَنْ يَقُولَ فِي الْحُرِّ يُقْتَلُ الْحُرُّ عَمْدًا أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ‏.‏ أَرَأَيْتُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَقَالَ الْقَاتِلُ اُقْتُلْ أَوْ دَعْ لَيْسَ لَك غَيْرُ ذَلِكَ فَأَبَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتُلَ أَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ‏؟‏ أَوَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً حُرًّا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ حُرٍّ عَمْدًا فَقَالَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ آخُذُ دِيَةَ الْعَبْدِ فَقَالَ الْقَاطِعُ اقْطَعْ أَوْ دَعْ أَكَانَ يُجْبَرُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ دِيَةَ الْيَدِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ إمَّا أَنْ يَأْخُذَ وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ‏}‏‏.‏ ‏(‏قَرَأَ الرَّبِيعُ‏)‏ إلَى‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ فَمَا أَسْتَطِيعُ فِيهِ الْقِصَاصَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ وَلاَ مَالٌ وَمَا كَانَ مِنْ خَطَأٍ فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى اللَّهُ فِي الْخَطَأِ مِنْ الدِّيَةِ الْمُسَلَّمَةِ إلَى أَهْلِهِ فَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ هَذَا فَهُوَ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فِي عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى عَقْلٍ وَمَنْ وَجَبَ لَهُ عَقْلٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى قَوَدٍ فِي حُرٍّ وَلاَ مَمْلُوكٍ فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ فِي هَذَا وَبَيْنَ الْحُرِّ فَلْيَأْتِ عَلَيْهِ بِالْبُرْهَانِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ النَّاطِقِ وَمِنْ السُّنَّةِ الْمَعْرُوفَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى‏}‏ إلَى‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَسَمِعْت مِنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ كَانَ فِي أَهْلِ الْإِنْجِيلِ إذَا قَتَلُوا الْعَقْلُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قِصَاصٌ وَكَانَ فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنَّ فِي الْعَمْدِ الدِّيَةَ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ أَوْ الْقِصَاصَ إنْ شَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَيِّنٌ فِي التَّنْزِيلِ مُسْتَغْنًى بِهِ عَنْ التَّأْوِيلِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْضُهُ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ بَعْضَهُ فَقَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنَّهُ أَنْزَلَ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَهُ الْقَوَدُ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الدَّمِ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ الْمَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ إذَا عَفَا الْقِصَاصَ لَمْ يَبْقَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا ذَهَبَ حَقُّهُ وَلَمْ تَكُنْ دِيَةٌ يَأْخُذُهَا شَيْءٌ يَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ يُؤَدَّى إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏.‏ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ‏}‏ فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّهُ تَخْفِيفُ الْقَتْلِ بِأَخْذِ الْمَالِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ الْقَتْلِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ فِي حَالٍ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ إذَا أَرَادَ‏.‏ قَالَ وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ شَبِيهًا بِمَا وَصَفْت فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْلِ مَعْنَاهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا الْعَقْلَ وَإِنْ أَحَبُّوا فَلَهُمْ الْقَوَدُ‏}‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعًا يَدُلَّانِ دَلاَلَةً لاَ إشْكَالَ فِيهَا أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ الْقَتْلَ وَيَأْخُذَ الْمَالَ‏,‏ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ فَعَلَ لَيْسَ إلَى الْقَاتِلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي النَّفْسِ كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْجِرَاحِ هَكَذَا وَكَانَ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ فَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ رَجُلٍ فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ‏,‏ فَإِنْ أَدَّاهَا سَيِّدُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ مُتَطَوِّعًا فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ إلَّا ذَلِكَ إذَا عَفَا الْقِصَاصَ وَإِنْ أَبَى سَيِّدُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا وَبِيعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ‏,‏ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أَوْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إلَّا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رُدَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ‏.‏ قَالَ وَإِذَا بَانَ الْفَضْلُ فِي الْعَبْدِ الْقَاتِلِ خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بَيْنَ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ حَتَّى يُوَفَّى هَذَا ثَمَنَهُ وَيَبْقَى هَذَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ يُبَاعَ كُلُّهُ فَيُرَدَّ عَلَيْهِ فَضْلُهُ وَأَحْسَبُهُ سَيَخْتَارُ بَيْعَهُ كُلَّهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ لِثَمَنِهِ‏.‏ وَكُلُّ نَفْسَيْنِ أَبَدًا قُتِلَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى جَعَلْت الْقِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنِّي إذَا جَعَلْت الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ كَانَ جَمِيعُ الْبَدَنِ فَأَنَا مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ أُقَيِّدَ فِي الْأَقَلِّ مِنْ الْبَدَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَبَرٌ يَلْزَمُ يُخَالِفُ هَذَا وَلاَ خَبَرَ فِيهِ يَلْزَمُ يُخَالِفُ هَذَا وَالْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ ذَكَرَ الْقِصَاصَ جُمْلَةً قَالَ‏:‏ ‏{‏النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ‏}‏ إلَى‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ وَقَدْ احْتَجَّ بِهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى أَصْحَابِنَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ فَلَمْ يُفَرِّقْ اللَّهُ بَيْنَ الْقِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ وَالنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ فَاجْعَلْ الْعَبْدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَعِيرَيْنِ لاَ يَقْتَصُّ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَأَمَّا مَا أَدْخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى مَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْخِيَارَ فِي أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَأْخُذَ ثَمَنَ عَبْدِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ فِي الْأَحْرَارِ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فَكَمَا قَالَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا أُدْخِلَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا فِي الْعَبْدِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ غَفَلُوا عَنْهُمَا فِي الْأَحْرَارِ وَهُوَ غَفَلَ عَنْهُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصَ وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ‏,‏ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ فِي الْعَمْدِ الدِّيَةَ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ‏,‏ فَإِنْ كَانَ هَذَا كَمَا ذُكِرَ كَانَ مِمَّنْ قَدْ دَخَلَ فِي خِلاَفِ حُكْمِ اللَّهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ زَعَمَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي عَمْدٍ مَالٌ فَإِنَّمَا أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُدُودِ الَّتِي يَقْذِفُ بِهَا الْمَرْءُ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ بِقَذْفِهِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ فِي بَدَنِهِ فَيَلْزَمُهُ فِيمَا لاَ يُقَيَّدُ مِنْهُ مِنْ الْعَمْدِ أَنْ يُبْطِلَهُ وَلاَ يَجْعَلَ فِيهِ مَالاً‏,‏ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَجْعَلُ فِيهِ الْمَالَ إذَا لَمْ أَسْتَطِعْ فِيهِ الْقَوَدَ قُلْنَا فَمَنْ اسْتَثْنَى لَك هَذَا‏؟‏ إنْ كَانَ أَصْلُ حُكْمِ اللَّهِ كَمَا وَصَفْت فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَقَدْ يَكُونُ الدَّمُ بَيْنَ مِائَةٍ فَيَعْفُو أَحَدُهُمْ أَوْ يُصَالِحُ فَيَجْعَلُ مُحَمَّدٌ الدِّيَةَ لِلْبَاقِينَ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ مِنْهَا فَقَدْ جَعَلَ أَيْضًا فِي الْعَمْدِ الَّذِي يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ مَالاً رَضِيَهُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ أَوْ لَمْ يَرْضَوْهُ‏,‏ فَإِنْ قَالَ فَإِنَّمَا جَعَلْنَا فِيهِ مَالاً حِينَ دَخَلَهُ الْعَفْوُ فَكَانَ يَلْزَمُهُ عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ يَجْعَلَهُ كَالرَّجُلَيْنِ قُذِفَ أَبُوهُمَا فَأَيُّهُمَا قَامَ بِالْحَدِّ فَلَهُ الْحَدُّ وَلَوْ عَفَا الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَفْوٌ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَحْرَارُ يَعْفُونَ بِشِرْكِهِمْ فِي الدَّمِ فَحَقْنُ الدَّمِ بِعَفْوِ أَحَدِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِينَ مَالٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ إنَّمَا وَجَبَ لَهُمْ ضَرْبَةُ سَيْفٍ فَلاَ تَتَحَوَّلُ مَالاً‏,‏ فَإِنْ قَالَ فَأَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا مَعِي قُلْت أَجَلْ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلاَفِ مَا قُلْت أَنْتَ كُلُّهُ وَذَلِكَ لِلْآثَارِ‏.‏

بَابُ دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْقَوَدُ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏:‏ قَدْ رَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ‏:‏ ‏{‏رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ‏}‏ قَالَ مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ‏:‏ ‏{‏رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ‏,‏ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ‏}‏ فَكَانَ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ فَقِيهُهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ قَالَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ وَفَرْقٌ بَيْنَ قَتْلِ الْغِيلَةِ وَقَتْلِ غَيْرِ الْغِيلَةِ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِ رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ غِيلَةً مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَتَلَهُ بِهِ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ قُتِلَ بِهِ فَأَمَّا مَا قَالُوا فِي الدِّيَةِ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ الْقَوْلِ ذَكَرَ اللَّهُ الدِّيَةَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلَ الْمِيثَاقِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ فَجَعَلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةً مُسَلَّمَةً وَلَمْ يَقُلْ فِي أَهْلِ الْمِيثَاقِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْمِيثَاقِ لَيْسُوا مُسْلِمِينَ فَجَعَلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِهِ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ أَنَّهُ جَعَلَ دِيَةَ الْكَافِرِ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَرَوَى ذَلِكَ أَفْقَهُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ فِي زَمَانِهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ فَذَكَرَ أَنَّ دِيَةَ الْمُعَاهِدِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم مِثْلُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ جَعَلَهَا مِثْلَ نِصْفِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي زَمَانِهِ بِالْأَحَادِيثِ فَكَيْفَ رَغِبُوا عَمَّا رَوَاهُ أَفْقَهُهُمْ إلَى قَوْلِ مُعَاوِيَةَ‏.‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ قَتْلَ رَجُلٍ بِذِمِّيٍّ بِكِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏:‏ أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ الْأَسَدِيِّ قَالَ أَتَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَجَاءَ أَخُوهُ فَقَالَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ قَالَ فَلَعَلَّهُمْ هَدَّدُوك أَوْ فَرَّقُوك‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَكِنَّ قَتْلَهُ لاَ يَرُدُّ عَلَيَّ أَخِي وَعَوَّضُونِي فَرَضِيت قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا فَدَمُهُ كَدَمِنَا وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا‏.‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ دِيَةُ الْمُعَاهِدِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ‏.‏ حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَكَتَبَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنْ يُدْفَعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ‏,‏ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا فَدُفِعَ الرَّجُلُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ إلَى رَجُلٍ يُقَال لَهُ حُنَيْنٌ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَتَلَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَمْ يُقْتَلْ فَلاَ تَقْتُلُوهُ فَرَأَوْا أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يُرْضِيَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ‏.‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيد قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ابْنَ شاس الْجُذَامِيَّ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ فَرُفِعَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَكَلَّمَهُ الزُّبَيْرُ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَوْهُ عَنْ قَتْلِهِ قَالَ فَجَعَلَ دِيَتَهُ أَلْفَ دِينَارٍ‏.‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيد قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ دِيَةُ كُلِّ مُعَاهِدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ‏.‏ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ سَوَاءٌ‏.‏ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَجُوسِيَّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَدْ خَالَفَنَا فِي هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ وَسَأَلَنِي بَعْضُهُمْ وَسَأَلْته وَسَأَحْكِي مَا حَضَرَنِي مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ مَا حُجَّتُك فِي أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏؟‏ فَقُلْت مَا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ دَفْعُهُ مِمَّا فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ‏.‏ ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا‏,‏ ثُمَّ الْأَخْبَارُ عَمَّنْ بَعْدَهُ فَقَالُوا وَأَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنْ الْأَحْكَامِ‏؟‏ فَأَمَّا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فَمَا لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ وَلَكِنْ أَسْأَلُ عَنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَقِيلَ لَهُ يَحْضُرُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ قِتَالَ الْكُفَّارِ فَنُعْطِي نَحْنُ وَأَنْتَ الْمُؤْمِنَ السَّهْمَ وَنَمْنَعُهُ الْكَافِرَ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ غِنَاءً مِنْهُ وَنَأْخُذُ مَا أَخَذْنَا مِنْ مُسْلِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ صَدَقَةً يُطَهِّرُهُ اللَّهُ بِهَا وَيُزْكِيه وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ الْكُفَّارِ صَغَارًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏ فَوَجَدْت الْكُفَّارَ فِي حُكْمِ اللَّهِ‏,‏ ثُمَّ حُكْمِ رَسُولِهِ فِي مَوْضِعِ الْعُبُودِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ صِنْفًا مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ تَعَبَّدُوا وَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَصِنْفًا يُصْنَعُ ذَلِكَ بِهِمْ إلَّا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِعْطَاءُ الْجِزْيَةِ إذَا لَزِمَهُمْ فَهُوَ صِنْفٌ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَانَ خَوَلاً لِلْمُسْلِمِينَ فِي حَالٍ أَوْ كَانَ خَوَلاً لَهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ جِزْيَةً فَيَكُونَ كَالْعَبْدِ الْمُخَارِجِ فِي بَعْضِ حَالاَتِهِ كُفُؤًا لِلْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمَا بِهَذَا وَبِأَنْ أَنْعَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَحَلَّ لَهُمْ حَرَائِرَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحَرَّمَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى جَمِيعِ الْكَافِرِينَ مَعَ مَا يَفْتَرِقُونَ فِيهِ سِوَى هَذَا قَالَ إنَّ فِيمَا دُونَ هَذَا لَفَرْقًا وَلَكِنْ مَا السُّنَّةُ‏؟‏ قُلْت أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ‏:‏ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ‏}‏ قَالَ هَذَا مُرْسَلٌ قُلْت نَعَمْ وَقَدْ يَصِلُهُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ وَلَكِنْ فِيهِ حَدِيثٌ مِنْ أَحْسَنِ إسْنَادِكُمْ‏.‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه فَقُلْت هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ‏؟‏ فَقَالَ لاَ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْت وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ‏؟‏ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عِنْدَنَا مَعْرُوفٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏}‏ غَيْرَ أَنَّا تَأَوَّلْنَاهُ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ‏}‏ فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ عَنَى الْكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لاَ عَهْدَ لَهُمْ لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ حَلاَلٌ فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ دَمَهُ الْعَهْدُ فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَهُ بِهِ فَقُلْنَا حَدِيثُ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ وَنَحْنُ نَجْعَلُهُ لَك ثَابِتًا هُوَ عَلَيْك مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ فَمَا مَعْنَاهُ‏؟‏ قُلْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ‏}‏‏,‏ ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ‏}‏ فَإِنَّمَا قَالَ وَلاَ يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ إذْ سَقَطَ الْقَوَدُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ قَتْلُ مَنْ لَهُ عَهْدٌ مِنْ الْكَافِرِينَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا‏؟‏ قُلْنَا لَوْ احْتَمَلَهُ كَانَ هَذَا أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ قَالَ وَمَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ الظَّاهِرُ‏؟‏ قُلْنَا لِأَنَّ ذَوِي الْعَهْدِ مِنْ الْكَافِرِينَ كُفَّارٌ قَالَ فَهَلْ مِنْ سُنَّةٍ تُبَيِّنُ هَذَا‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ وَفِيهِ كِفَايَةٌ قَالَ وَأَيْنَ هِيَ‏؟‏ قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ‏}‏ فَهَلْ زَعَمْت أَنَّ هَذَا عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرِ أَهْلِ الْعَهْدِ فَتَكُونُ قَدْ تَأَوَّلْت فِيهِ مِثْلَ مَا تَأَوَّلْت فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ‏؟‏ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهَا عَلَى الْكَافِرِينَ مَنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ قُلْنَا وَلاَ تَجِدُ بُدًّا إذَا كَانَ هَذَا صَوَابًا عِنْدَك مِنْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏}‏ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ صَوَابًا فَتَرُدُّ هَذَا فَتَقُولُ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَلاَ يَرِثُهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَتُبَعِّضُهُ كَمَا بَعَّضْت حَدِيثَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏}‏ قَالَ مَا أَقُولُهُ قُلْنَا لِمَ‏؟‏ أَلِأَنَّ الْحَدِيثَ لاَ يَحْتَمِلُهُ‏؟‏ قَالَ بَلَى هُوَ يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُهُ قُلْنَا فَكَذَلِكَ ظَاهِرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلْت وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مُعَاذًا وَمُعَاوِيَةَ وَرَّثَا مُسْلِمًا مِنْ كَافِرٍ‏,‏ ثُمَّ تَرَكْت الَّذِي رَوَيْت نَصًّا عَنْهُمَا وَقُلْت لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏,‏ ثُمَّ أَرَدْت أَنْ تَجْعَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ مُتَأَوِّلاً حُجَّةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْتِيك بِنَفْسِهِ فَلاَ تَقْبَلُهُ مِنْهُ وَتَقُولُ رَجُلٌ مِنْ التَّابِعِينَ لاَ يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ قَالَ فَلَيْسَ بِهَذَا وَحْدَهُ قُلْته قُلْنَا وَقَدْ يَلْزَمُك فِي هَذَا تَرْكُ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ لِأَنَّك إذَا لَمْ تَقِدْ الْمُسْلِمَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْت فَقَدْ لاَ تَقِيدُهُ وَلَهُ عَهْدٌ قَالَ وَأَيْنَ قُلْت‏؟‏ الْمُسْتَأْمَنُ يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُ لاَ تَقْتُلُهُ بِهِ وَلَهُ عَهْدٌ هُوَ بِهِ حَرَامُ الدَّمِ وَالْمَالِ فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْك حُجَّةٌ إلَّا هَذَا لَزِمَتْك قَالَ وَيُقَالُ لِهَذَا مُعَاهِدٌ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ لِعَهْدِ الْأَمَانِ وَهَذَا مُؤْمِنٌ قَالَ فَيَدُلُّ عَلَى هَذَا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ‏}‏ فَجَعَلَ لَهُمْ عَهْدًا إلَى مُدَّةٍ وَلَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ بِجِزْيَةٍ كَانُوا أُمَنَاءَ بِعَهْدٍ وَوَصَفَهُمْ بِاسْمِ الْعَهْدِ‏:‏ ‏{‏وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رضي الله عنه بِأَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إلَى مُدَّتِهِ‏}‏ قَالَ مَا كُنَّا نَذْهَبُ إلَّا أَنَّ الْعَهْدَ عَهْدُ الْأَبَدِ قُلْنَا فَقَدْ أَوْجَدْنَاك الْعَهْدَ إلَى مُدَّةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ‏,‏ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ‏}‏ فَجَعَلَ لَهُ الْعَهْدَ إلَى سَمَاعِ كَلاَمِ اللَّهِ وَبُلُوغِ مَأْمَنِهِ وَالْعَهْدُ الَّذِي وَصَفْت عَلَى الْأَبَدِ إنَّمَا هُوَ إلَى مُدَّةٍ إلَى الْمُعَاهِدِ نَفْسِهِ مَا اسْتَقَامَ بِهَا كَانَتْ لَهُ فَإِذَا نَزَعَ عَنْهَا كَانَ مُحَارِبًا حَلاَلَ الدَّمِ وَالْمَالِ فَأَقَدْت الْمُعَاهِدَ الَّذِي الْعَهْدُ فِيهِ إلَى الْمُشْرِكِ وَلَمْ تَقِدْ الْمُعَاهِدَ الَّذِي عُقِدَ لَهُ الْعَهْدُ إلَى مُدَّةٍ بِمُسْلِمٍ‏,‏ ثُمَّ هُمَا جَمِيعًا فِي الْحَالَيْنِ مَمْنُوعَا الدَّمِ وَالْمَالِ عِنْدَك مُعَاهَدَيْنِ أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ أَقِيدُ الْمُعَاهِدَ إلَى مُدَّةٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَمْنُوعُ الدَّمِ وَالْمَالِ وَجَاهِلٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلاَمِ لاَ يُقْتَلُ الْمُؤْمِنُ بِهِ وَلاَ أُقِيدُ الْمُعَاهِدَ الْمُقِيمَ بِبِلاَدِ الْإِسْلاَمِ لِأَنَّهُ عَالِمٌ أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِهِ فَقَدْ رَضِيَ الْعَهْدَ عَلَى مَا لَمْ يَرْضَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَلاَ يَكُونَ أَحْسَنَ حُجَّةً مِنْك‏؟‏ قَالَ فَإِنَّا قَدْ رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتَ نُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِمَنْ رَوَاهُ فَرُوِيَ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا مُنْقَطِعٌ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِخِلاَفِهِ أَيُّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِنَا أَنْ نُثْبِتَهُ الَّذِي ثَبَتْنَاهُ وَقَدْ عَرَفْنَا مَنْ رَوَاهُ بِالصِّدْقِ أَوْ الَّذِي ثَبَتْنَاهُ بِالظَّنِّ‏؟‏ قَالَ بَلْ الَّذِي ثَبَتْنَاهُ مُتَّصِلاً فَقُلْت فَحَدِيثُنَا مُتَّصِلٌ وَحَدِيثُ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ مُنْقَطِعٌ وَحَدِيثُ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ خَطَأٌ وَإِنَّ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ فِيمَا بَلَغَنَا‏:‏ ‏{‏أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ قَتَلَ كَافِرًا كَانَ لَهُ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ وَكَانَ الْمَقْتُولُ رَسُولاً فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ‏}‏ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كُنْت أَنْتَ قَدْ خَالَفْت الْحَدِيثَيْنِ مَعًا حَدِيثَ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَاَلَّذِي قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ قَبْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَبْلَ الْفَتْحِ بِزَمَانٍ وَخُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ‏}‏ عَامَ الْفَتْحِ قُلْت فَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ كَانَ مَنْسُوخًا قَالَ فَلَمْ لَمْ تَقْبَلْ بِهِ وَتَقُولُ هُوَ مَنْسُوخٌ وَقُلْت هُوَ خَطَأٌ‏؟‏‏.‏ قُلْت عَاشَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَهْرًا طَوِيلاً وَأَنْتَ إنَّمَا تَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْ بَعْدُ لَيْسَ لَك بِهِ مِثْلُ مَعْرِفَةِ أَصْحَابِنَا‏,‏‏:‏ ‏{‏وَعَمْرٌو قَتَلَ اثْنَيْنِ وَدَاهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَزِدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرًا عَلَى أَنْ قَالَ قَتَلْت رَجُلَيْنِ لَهُمَا مِنِّي عَهْدٌ لاَُدِيَنَّهُمَا‏}‏ قَالَ فَإِنَّمَا قُلْت هَذَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا بِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَكَتَبَ أَنْ اُقْتُلُوهُ‏,‏ ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ تَقْتُلُوهُ قُلْنَا أَفَرَأَيْت لَوْ كَتَبَ أَنْ اُقْتُلُوهُ وَقُتِلَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ أَكَانَ يَكُونُ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْنَا فَأَحْسَنُ حَالِك أَنْ تَكُونَ احْتَجَجْت بِغَيْرِ حُجَّةٍ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ نُقِيمُ الْحُجَّةَ عَلَيْك بِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا مَا قَالَ عُمَرُ أَكَانَ عُمَرُ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ‏,‏ ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْهُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ بَلَغَهُ هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فَهَذَا عَلَيْك أَوْ أَنْ يَرَى أَنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الَّذِي قَالَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ رَاجِعًا أَوْلَى أَنْ تَصِيرَ إلَيْهِ‏؟‏ قَالَ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرْضِيَهُ بِالدِّيَةِ قُلْنَا فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخِيفَهُ بِالْقَتْلِ وَلاَ يَقْتُلَهُ قَالَ لَيْسَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ قُلْنَا وَلَيْسَ مَا قُلْت فِي الْحَدِيثِ قَالَ فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي مُسْلِمٍ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا إنْ كَانَ الْقَاتِلُ قَتَّالاً فَاقْتُلُوهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَتَّالٍ فَذَرُوهُ وَلاَ تَقْتُلُوهُ قُلْنَا فَقَدْ رَوَيْنَاهُ‏,‏ فَإِنْ شِئْت فَقُلْ هُوَ ثَابِتٌ وَلاَ نُنَازِعُك فِيهِ قَالَ‏,‏ فَإِنْ قُلْته‏؟‏ قُلْت فَاتَّبَعَ عُمَرُ كَمَا قَالَ فَأَنْتَ لاَ تَتَّبِعُهُ فِيمَا قَالَ وَلاَ فِيمَا قُلْنَا فَنَسْمَعُك تَحْتَجُّ بِمَا عَلَيْك قَالَ فَيَثْبُتُ عِنْدَكُمْ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا شَيْءٌ‏؟‏‏.‏ قُلْت لاَ وَلاَ حَرْفٌ وَهَذِهِ أَحَادِيثُ مُنْقَطِعَاتٌ أَوْ ضِعَافٌ أَوْ تَجْمَعُ الِانْقِطَاعَ وَالضَّعْفَ جَمِيعًا قَالَ فَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه أَمَرَ بِمُسْلِمٍ قَتَلَ كَافِرًا أَنْ يُقْتَلَ فَقَامَ إلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعُوهُ فَوَدَّاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَلَمْ يَقْتُلْهُ فَقُلْت هَذَا مِنْ حَدِيثِ مَنْ يَجْهَلُ‏,‏ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ فَدَعْ الِاحْتِجَاجَ بِهِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَعَلَيْك فِيهِ حُكْمٌ وَلَك فِيهِ آخَرُ فَقُلْ بِهِ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّك قَدْ اتَّبَعْته عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ وَمَا عَلَيَّ فِيهِ‏؟‏ قُلْنَا زَعَمْت أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ فَمَنَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَهَذَا عُثْمَانُ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجْتَمَعِينَ أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ فَكَيْفَ خَالَفْتُمْ‏؟‏ قَالَ فَقَدْ أَرَادَ قَتْلَهُ قُلْنَا فَقَدْ رَجَعَ فَالرُّجُوعُ أَوْلَى بِهِ قَالَ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ دِيَةَ الْمُعَاهِدِ كَانَتْ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم دِيَةَ مُسْلِمٍ تَامَّةً حَتَّى جَعَلَ مُعَاوِيَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ قُلْنَا أَفَتَقْبَلُ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ عُثْمَانَ فَنَحْتَجُّ عَلَيْك بِمُرْسَلِهِ‏؟‏ قَالَ مَا يُقْبَلُ الْمُرْسَلُ مِنْ أَحَدٍ وَإِنَّ الزُّهْرِيَّ لَقَبِيحُ الْمُرْسَلِ قُلْنَا وَإِذَا أَبَيْت أَنْ تَقْبَلَ الْمُرْسَلَ فَكَانَ هَذَا مُرْسَلاً وَكَانَ الزُّهْرِيُّ قَبِيحَ الْمُرْسَلِ عِنْدَك أَلَيْسَ قَدْ رَدَدْته مِنْ وَجْهَيْنِ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ إنْ كُنْت صَحَّحْته عَنْ الزُّهْرِيِّ وَلَكِنَّا لاَ نَعْرِفُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَمَا نَقُولُ قَالَ وَمَا هُوَ قُلْت أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ ثَابِتٍ الْحَدَّادِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَضَى فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ وَفِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَرْسَلْنَا إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَسْأَلُهُ عَنْ دِيَةِ الْمُعَاهِدِ فَقَالَ‏:‏ قَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ قَالَ فَقُلْنَا فَمَنْ قَبْلَهُ‏؟‏ قَالَ فَحَسْبُنَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوهُ آخِرًا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ قُلْنَا إنَّهُ لَيَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ عَنْهُ‏,‏ ثُمَّ تَزْعُمُونَهُ أَنْتُمْ أَنَّهُ خَاصَّةٌ وَهُوَ عَنْ عُثْمَانَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ قَالَ فَبِهَذَا قُلْت‏؟‏ قُلْت نَعَمْ وَبِغَيْرِهِ قَالَ فَلِمَ قَالَ أَصْحَابُك نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ قُلْت رَوَيْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَدِيَتُهُ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ‏}‏ قَالَ فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ بِهِ أَنْتَ‏؟‏ قُلْت لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ لاََخَذَنَا بِهِ وَمَا كَانَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ قُلْنَا فَيَكُونُ لَنَا مِثْلُ مَا لَهُمْ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَعِنْدَهُمْ فِيهِ رِوَايَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ قُلْت لَهُ نَعَمْ شَيْءٌ يَرْوُونَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ هَذَا أَمْرٌ ضَعِيفٌ قُلْنَا فَقَدْ تَرَكْنَاهُ قَالَ فَإِنَّ مِنْ حُجَّتِنَا فِيهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ فَلَمَّا سَوَّيْت وَسَوَّيْنَا بَيْنَ قَتْلِ الْمُعَاهِدِ وَالْمُسْلِمِ فِي الرَّقَبَةِ بِحُكْمِ اللَّهِ كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي الدِّيَةِ قُلْنَا الرَّقَبَةُ مَعْرُوفَةٌ فِيهِمَا وَالدِّيَةُ جُمْلَةٌ لاَ دَلاَلَةً عَلَى عَدَدِهَا فِي تَنْزِيلِ الْوَحْيِ فَإِنَّمَا قُبِلَتْ الدَّلاَلَةُ عَلَى عَدَدِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِطَاعَتِهِ أَوْ عَمَّنْ بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عَنْهُ قَالَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَدَدُ الدِّيَةِ قُلْنَا فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَعَنْ عُمَرَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَبِلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِبِلَ وَعَنْ عُمَرَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَهَكَذَا قَبِلْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَعَنْ عُمَرَ عَدَدَ دِيَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ خَالَفَ الْإِسْلاَمَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ نَعْرِفُهُ أَرَأَيْت إذَا عَشَوْت إلَى أَنَّ كِلْتَيْهِمَا اسْمُ دِيَةٍ أَفِي فَرْضِ اللَّهِ مَنْ قَتَلَ الْمُؤْمِنَ الدِّيَةُ وَالرَّقَبَةُ وَمَنْ قَتَلَ الْمُؤْمِنَةَ مِثْلُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةً مُسَلَّمَةً قُلْنَا فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكُونُ فِيهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَدِيَةٌ هَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الدِّيَةِ الْمُسَلَّمَةِ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْنَا وَهِيَ أَوْلَى بِمُسَاوَاتِهِ مَعَ الْإِسْلاَمِ وَالْحُرِّيَّةِ فَإِنَّ مُؤْمِنًا يَحْتَمِلُ مُؤْمِنًا وَمُؤْمِنَةً كَمَا يَحْتَمِلُ الْمُؤْمِنِينَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ ذُكِرَ مُنْفَرِدًا فِيهِ أَوَرَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْجَنِينَ أَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةٌ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى مُؤْمِنٍ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ دِيَتَهُ خَمْسُونَ دِينَارًا وَهُوَ مُسَاوٍ فِي الرَّقَبَةِ أَوْ رَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْعَبْدَ أَلَيْسَ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا‏؟‏ قَالَ بَلَى قُلْت فَفِيهِ دِيَةٌ أَوْ هِيَ قِيمَتُهُ‏؟‏ قَالَ بَلْ هِيَ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ قُلْت فَتَرَى الدِّيَاتِ إذَا لَزِمَتْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ دِيَاتِهِمْ إلَى أَهْلِيهِمْ وَأَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَوَاءٌ فِيهِ أَعْلاَهُمْ وَأَدْنَاهُمْ سَاوَيْت بَيْنَ دِيَاتِهِمْ قَالَ لاَ‏.‏ قُلْت فَلِمَ أَرَدْت أَنْ تُسَوِّيَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الرَّقَبَةِ وَأَنْ تُلْزِمَ قَاتِلَهُمَا أَنْ يُؤَدِّيَ دِيَةً وَلَمْ تُسَوِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى أَنْ تُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَ بَعْضِ النَّاسِ إنَّ مِمَّا قَتَلْنَا بِهِ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ وَالْحُرَّ بِالْعَبْدِ آيَتَيْنِ قُلْنَا فَاذْكُرْ إحْدَاهُمَا فَقَالَ إحْدَاهُمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ‏}‏ قُلْت وَمَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ حَكَمَ بَيْنَنَا‏؟‏ قَالَ نَعَمْ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ قَدْ نَسَخَهُ عَنَّا فَلَمَّا قَالَ‏:‏ ‏{‏النَّفْسَ بِالنَّفْسِ‏}‏ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ كُلُّ نَفْسٍ بِكُلِّ نَفْسٍ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ الْمَقْتُولَةُ مُحَرَّمَةً أَنْ تُقْتَلَ قُلْنَا فَلَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَحْتَجَّ عَلَيْك بِأَكْثَرَ مِنْ قَوْلِك إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فَزَعَمْت أَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَحْكَامٍ مُفْرَدَةً وَحُكْمًا سَادِسًا جَامِعًا فَخَالَفْت جَمِيعَ الْأَرْبَعَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَالْحُكْمُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ جَمَعْتهمَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْحُرِّ يَقْتُلُ الْعَبْدَ وَالرَّجُلِ يَقْتُلُ الْمَرْأَةَ فَزَعَمْت أَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِعَيْنِهَا وَلاَ عَيْنَ الْعَبْدِ وَلاَ أَنْفَهُ بِأَنْفِهَا وَلاَ أَنْفَ الْعَبْدِ وَلاَ أُذُنَهُ بِأُذُنِهَا وَلاَ أُذُنَ الْعَبْدِ وَلاَ سِنَّهُ بِسِنِّهَا وَلاَ سِنَّ الْعَبْدِ وَلاَ جُرُوحَهُ كُلَّهَا بِجُرُوحِهَا وَلاَ جُرُوحَ الْعَبْدِ وَقَدْ بَدَأْت أَوَّلاً بِاَلَّذِي زَعَمْت أَنَّك أَخَذْت بِهِ فَخَالَفْته فِي بَعْضٍ وَوَافَقْته فِي بَعْضٍ فَزَعَمْت أَنَّ الرَّجُلَ يَقْتُلُ عَبْدَهُ فَلاَ تَقْتُلُهُ بِهِ وَيَقْتُلُ ابْنَهُ فَلاَ تَقْتُلُهُ بِهِ وَيَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ فَلاَ تَقْتُلُهُ بِهِ وَكُلُّ هَذِهِ نُفُوسٌ مُحَرَّمَةٌ قَالَ اتَّبَعْت فِي هَذَا أَثَرًا قُلْنَا فَتُخَالِفُ الْأَثَرَ الْكِتَابَ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْنَا فَالْكِتَابُ إذًا عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلْت فَلِمَ فَرَّقْت بَيْنَ أَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا تَأَوَّلْت‏؟‏ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ دَعْ هَذَا فَهُوَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ قَالَ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏}‏ فَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏}‏ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ قِيلَ لَهُ فَيُعَادُ عَلَيْك ذَلِكَ الْكَلاَمُ بِعَيْنِهِ فِي الِابْنِ يَقْتُلُهُ أَبُوهُ وَالْعَبْدِ يَقْتُلُهُ سَيِّدُهُ وَالْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُ قَالَ فَلِي مِنْ كُلِّ هَذَا مَخْرَجٌ قُلْت فَاذْكُرْ مَخْرَجَك قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا جَعَلَ الدَّمَ إلَى الْوَلِيِّ كَانَ الْأَبُ وَلِيًّا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ قُلْنَا أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ بَالِغٌ أَتُخْرِجُ الْأَبَ مِنْ الْوِلاَيَةِ وَتَجْعَلُ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ‏؟‏ قَالَ لاَ أَفْعَلُ قُلْت فَلاَ تُخْرِجْهُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلاَيَةِ‏؟‏ قَالَ لاَ‏.‏ قُلْت فَمَا تَقُولُ فِي ابْنِ عَمٍّ لِرَجُلٍ قَتَلَهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ وَوَارِثُهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ وَكَانَ لَهُ ابْنُ عَمٍّ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَفَتَجْعَلُ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَقْتُلَ الْأَقْرَبَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا وَمِنْ أَيْنَ وَهَذَا وَلِيُّهُ وَهُوَ قَاتِلٌ قَالَ الْقَاتِلُ يَخْرُجُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلاَيَةِ قُلْنَا وَالْقَاتِلُ يَخْرُجُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلاَيَةِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَلِمَ لَمْ تُخْرِجْ الْأَبَ مِنْ الْوِلاَيَةِ وَأَنْتَ تُخْرِجُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ‏؟‏ قَالَ اتَّبَعْت فِي الْأَبِ الْأَثَرَ قُلْنَا فَالْأَثَرُ يَدُلُّك عَلَى خِلاَفِ مَا قُلْت قَالَ فَاتَّبَعْت فِيهِ الْإِجْمَاعَ قُلْنَا فَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّك عَلَى خِلاَفِ مَا تَأَوَّلْت فِيهِ الْقُرْآنَ قُلْنَا فَالْعَبْدُ يَكُونُ لَهُ ابْنٌ حُرٌّ فَيَقْتُلُهُ مَوْلاَهُ أَيَخْرُجُ الْقَاتِلُ مِنْ الْوِلاَيَةِ وَيَكُونُ لِابْنِهِ أَنْ يَقْتُلَ مَوْلاَهُ‏؟‏ قَالَ لاَ بِالْإِجْمَاعِ قُلْت فَالْمُسْتَأْمَنُ يَكُونُ مَعَهُ ابْنُهُ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُسْلِمَ الَّذِي قَتَلَهُ قَالَ لاَ بِالْإِجْمَاعِ قُلْت أَفَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلاَفِ الْكِتَابِ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْنَا فَالْإِجْمَاعُ إذًا يَدُلُّك عَلَى أَنَّك قَدْ أَخْطَأْت فِي تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْنَا لَهُ لَمْ يَجْمَعْ مَعَك أَحَدٌ عَلَى أَنْ لاَ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ إلَّا مَنْ مَذْهَبُهُ أَنْ لاَ يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَلاَ يُقْتَلُ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ فَكَيْفَ جَعَلْت إجْمَاعَهُمْ حُجَّةً وَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِي أَصْلِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ‏؟‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ الْعَقْلِ عَلَى الرَّجُلِ خَاصَّةً

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الْجِنَايَاتِ الْمُوضِحَةَ وَالسِّنَّ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي لاَ تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ فَإِذَا بَلَغَ الثُّلُثَ عَقَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏,‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُصْبُعِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسًا فَجَعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الرَّجُلِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مُجْتَمَعٌ فِي الْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ فَكَيْفَ افْتَرَقَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوْ كَانَ فِي هَذَا افْتِرَاقٌ لاََوْجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا وَأَوْجَبَ فِي مَالِ الرَّجُلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَيْسَ الْأَمْرُ هَكَذَا وَلَكِنَّ أَدْنَى شَيْءٍ فَرَضَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُوضِحَةَ وَالسِّنَّ فَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ وَقَدْ بَلَغَنَا‏:‏ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا بَطْنَ الْأُخْرَى فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي ذَلِكَ بِغُرَّةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَقَالَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ كَيْفَ نَدِي مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ‏}‏ فَالْجَنِينُ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ فِي مَالِهَا وَإِنَّمَا حَكَمَ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ فَعَدَلَ ذَلِكَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا لَيْسَ فِيهِ اخْتِلاَفٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَهَذَا أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَا قَبْلَهُ مِمَّا اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فِيهِ‏,‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ كُلَّهُ إلَّا مَا كَانَ دُونَ الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ‏,‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ لاَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا دُونَ الْمُوضِحَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ دُونَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ‏,‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ امْرَأَةً ضَرَبَتْ بَطْنَ ضَرَّتِهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَتِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَقَالَتْ الْعَاقِلَةُ أَتَكُونُ الدِّيَةُ فِيمَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ وَلاَ اسْتَهَلَّ فَدَمُ مِثْلِهِ يُطَلُّ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْعٌ كَسَجْعِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ شِعْرٌ كَشِعْرِهِمْ كَمَا قُلْت لَكُمْ فِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ‏}‏ فَهَذَا قَدْ قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْعَقْلُ عَقْلاَنِ فَعَقْلُ الْعَمْدِ فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَعَقْلُ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي قَلَّ ذَلِكَ الْعَقْلُ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّ مَنْ غَرِمَ الْأَكْثَرَ غَرِمَ الْأَقَلَّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت‏؟‏ قِيلَ لَهُ نَعَمْ مَا وَصَفْت أَوَّلاً كَافٍ مِنْهُ إذَا كَانَ أَصْلُ حُكْمِ الْعَمْدِ فِي مَالِ الْجَانِي فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ فِيهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ثُمَّ كَانَ أَصْلُ حُكْمِ الْخَطَأِ فِي الْأَكْثَرِ فِي مَالِ الْعَاقِلَةِ فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْأَقَلِّ فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ خَبَرٍ نُصَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ وَلاَ يَجُوزُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ خَبَرٌ غَيْرُ هَذَا إذْ سُنَّ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ خَطَأٍ عَلَيْهَا أَوْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ فَيَقُولَ كَانَ أَصْلُ الْجِنَايَاتِ عَلَى جَانِيهَا فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ قُلْنَا مَا بَلَغَ أَنْ يَكُونَ دِيَةً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا نَقَصَ مِنْ الدِّيَةِ فَعَلَى جَانِيهِ وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ وَلاَ تَعْقِلُ دُونَهُ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ تَعْقِلُ التِّسْعَةَ الْأَعْشَارِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ النِّصْفَ وَلاَ تَعْقِلُ دُونَهُ فَمَا حُجَّتُهُ عَلَيْهِ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ خَبَرٍ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَقَضَى بِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَحَدِيثُهُ فِي أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَثْبَتُ إسْنَادًا مِنْ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏,‏ وَإِذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حِينَ كَانَتْ دِيَةً وَنِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا مَعًا مِنْ الْخَطَأِ فَكَذَلِكَ يَقْضِي بِكُلِّ خَطَأٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا‏.‏ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَلاَ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِمَا دُونَهُ وَيَلْزَمُهُ فِي هَذَا مِثْلَ مَا لَزِمَ مَنْ قَالَ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَلاَ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِمَا دُونَهُ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّهُ قَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَنَّهُ لاَ يُحْفَظُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى فِيمَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ بِشَيْءٍ قِيلَ لَهُ فَإِنْ كُنْت إنَّمَا اتَّبَعْت الْخَبَرَ فَقُلْت اجْعَلْ الْجِنَايَاتِ عَلَى جَانِيهَا إلَّا مَا كَانَ فِيهِ خَبَرٌ لَزِمَك لِأَحَدٍ إنْ عَارَضَك أَنْ تَقُولَ وَإِذَا جَنَى جَانٍ مَا فِيهِ دِيَةٌ أَوْ مَا فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ‏,‏ وَإِذَا جَنَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ دِيَةٍ وَأَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ فَفِي مَالِهِ حَتَّى تَكُونَ امْتَنَعَتْ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَرَدَدْت مَا لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ نُصَّ إلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى جَانِيهَا وَإِنْ رَدَدْت الْقِيَاسَ عَلَيْهِ فَلاَ بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هَدْرًا لاَ عَقْلَ فِيهِ وَلاَ قَوَدَ كَمَا تَكُونُ اللَّطْمَةُ وَاللَّكْزَةُ أَوْ يَكُونُ إذَا جَنَى جِنَايَةً اجْتَهَدْت فِيهَا الرَّأْيَ فَقَضَيْت فِيهَا بِالْعَقْلِ قِيَاسًا عَلَى الَّذِي قَضَى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِنَايَاتِ فَإِذَا كَانَ حَقٌّ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْجِنَايَاتِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ قِيَاسًا فَالْحَقُّ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأِ مَا كَانَتْ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ لاَ يَجُوزُ إلَّا ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏ وَلَقَلَّمَا رَأَيْت بَعْضَ النَّاسِ عَابَ شَيْئًا إلَّا شَرَكَ فِي طَرَفٍ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُحْسِنُ أَنْ يَتَخَلَّصَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَخَلَّصُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَعَلَّ فِيهِ مُؤْنَةً عَلَى مَنْ جَهِلَ مَوْضِعَ الْحُجَّةِ فَأَمَّا مَنْ عَلِمَهَا فَلَيْسَتْ عَلَيْهَا مُؤْنَةٌ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ تَعْقِلَ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ كَأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا لِأَنَّ الثُّلُثَ يَفْدَحُ وَمَا دُونَهُ لاَ يَفْدَحُ قُلْنَا فَلِمَ لَمْ تَجْعَلْ هَذَا فِي دَمِ الْعَمْدِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ مِائَةُ دِيَةٍ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينُوهُ فِيهَا بِفَلْسٍ أَوْ رَأَيْت لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ مَا وَصَفْت فَجَنَى جَانِيَانِ أَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ بِدِرْهَمٍ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ بِأَلْفِ أَلْفٍ أَمَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ لِلْمُعْسِرِ بِهِ أَفْدَحَ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ لِلْمُوسِرِ بِهَا الَّذِي لاَ يَكُونُ جُزْءًا مِنْ أَلْفٍ مِنْ مَالِهِ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْت كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَر فِي حَالِ الْجَانِي فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ دِرْهَمًا فَفَدْحُهُ جَعَلْته عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَلْفَيْنِ وَلاَ تَفْدَحُهُ لَمْ تَجْعَلْ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهَا شَيْئًا‏.‏ فَإِنْ قَالَ لَوْ قُلْت هَذَا خَرَجْت مِنْ السُّنَّةِ قِيلَ قَدْ خَرَجْت مِنْ السُّنَّةِ وَلَمْ تَقُلْ ذَا وَلاَ شَيْئًا لَهُ وَجْهٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ أَنْ تَعْقِلَ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا قُلْنَا الْقَدِيمُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَلْزَمُ قَوْلُهُ وَيَكُونُ مِنْ الْوُلاَةِ الَّذِينَ لاَ يُقْتَدَى بِهِمْ وَلاَ يَلْزَمُ قَوْلُهُمْ فَمِنْ أَيِّ هَذَا هُوَ‏؟‏ قَالَ أَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلاَهَا وَأَرْفَعُهَا قُلْت أَفَنَتْرُكُ الْيَقِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِظَنٍّ لَيْسَ مِمَّا أُمِرْنَا بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إلَّا الْقِيَاسُ مَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِلظَّنِّ وَلَئِنْ أَدْخَلْت التُّهْمَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَلَى الرِّجَالِ الْمَأْمُونِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَكُمْ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِلتُّهْمَةِ عَلَى الَّذِي أَلْقَى كَلِمَةَ ظَنٍّ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُدْخَلَةً وَلَقَلَّمَا رَأَيْت بَعْضَ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ يَذْهَبُ إلَّا إلَى ظَنٍّ يُمْكِنُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا أَمْكَنَ فَيَسْتَوِي هُوَ وَغَيْرُهُ فِي حُجَّتِهِ وَيَكُونُ الْيَقِينُ أَبَدًا مِنْ رِوَايَتِهِ وَرِوَايَةِ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَمَا حُجَّةُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَطَعَ اللَّهُ بِهِ الْعُذْرَ وَالْقِيَاسَ وَالْمَعْقُولَ وَقَوْلَ عَوَامِّ أَهْلِ الْبُلْدَانِ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ ظَنٍّ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ يَسْتَوِيَانِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ الظَّنُّ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ مَا كَانَ الظَّنُّ وَحْدَهُ يَقُومُ مَقَامَهَا فَكَيْفَ إذَا كَانَ يُمْكِنُ غَيْرُهُ فِيهِ مِثْلَ مَا يُمْكِنُهُ وَكَانَ يُخَالِفُ الْيَقِينَ مِنْ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ‏,‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْخَبَرُ‏:‏ ‏{‏بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏}‏‏؟‏ قِيلَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

بَابُ الْحُرِّ إذَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ

‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏)‏ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي الْعَبْدِ يُقْتَلُ خَطَأً إنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إلَّا أَنَّهُ لاَ يُجَاوِزُ بِذَلِكَ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَيُنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْكَفُّ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ أَحَدٌ مِنْ الْعَبِيدِ إلَّا وَفِي الْأَحْرَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَلاَ يُجَاوِزُ بِدِيَةِ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَاضِلاً مَا فُرِضَ مِنْ الدِّيَاتِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لاَ تَحْمِلُ عَاقِلَةُ قَاتِلِ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ شَيْئًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الدِّيَةَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ وَالثِّيَابِ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى عَبْدٍ قَتَلَ عَبْدًا قَوَدٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سِلْعَةٍ اسْتَهْلَكَهَا فَلاَ قَوَدَ فِيهَا‏.‏ وَذَكَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ فِي الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي إنْ قَتَلَ رَجُلٌ مَوْلَى الْعَبْدِ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ كَانَتْ فِيهِ دِيَتَانِ إذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا فَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ مِنْ الدِّيَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ فِي سَيِّدِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فِي الْعَبْدِ يُقْتَلُ‏:‏ فِيهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَلَوْ لَمْ يُرْوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَتْ لَنَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ بِأَنْ يَزْعُمَ أَنَّ فِيهِ قِيمَتَهُ بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ دِيَةَ الْحُرِّ فَيُنْقِصُهُ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمِ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُقْتَلُ وَقِيمَتُهُ تِسْعَةُ آلاَفٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ فَلاَ يُنْقَصُ عَنْ قَاتِلِهِ مِنْهَا شَيْءٌ أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا يُؤَدُّونَ قِيمَةً فِي بَعِيرٍ قُتِلَ أَوْ مَتَاعٍ اُسْتُهْلِكَ وَمَتَى رَأَوْا رَجُلاً يَغْرَمُ الْأَكْثَرَ وَيَجْنِي جِنَايَةً فَيُبْطَلُ عَنْهُ بَعْضُهَا فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَنَّ فِي الْأَحْرَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْعَبِيدِ أَفَرَأَيْت خَيْرَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ وَشَرَّ الْمَجُوسِ عِنْدَهُ كَيْفَ سَوَّى بَيْنَ دِيَاتِهِمْ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الدِّيَاتِ لَيْسَتْ عَلَى الْخَيْرِ وَلاَ عَلَى الشَّرِّ وَأَنَّهَا مُؤَقَّتَاتٌ فَيُؤَدِّي فِي مَجُوسِيٍّ سَارِقٍ فَاسِقٍ مُنْقَطِعِ الْأَطْرَافِ فِي السَّرِقَةِ مَا يُؤَدِّي فِي خَيْرِ مُسْلِمٍ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ حُجَّتُهُ وَفِي الْأَحْرَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْعَبِيدِ حُجَّةً فَهِيَ عَلَيْهِ فِي الْمَجُوسِيِّ قَدْ يَكُونُ فِي الْعَبِيدِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ مَعًا‏,‏ وَالتَّقْوَى وَالْخَيْرُ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لاَ يَكُونُ كَافِرٌ أَبَدًا خَيْرًا مِنْ مُسْلِمٍ‏.‏ فَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ مَوْلَى الْعَبْدِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً وَبَعِيرَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِلْبَعِيرِ أَقَلَّ مِمَّا يُؤَدِّي فِي الْبَعِيرِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ بِهَذَا يَصِيرُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ فَلاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ بَهِيمَةً خَيْرٌ مِنْ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْخَيْرِ وَلاَ مِنْ الشَّرِّ فِي شَيْءٍ‏,‏ وَكَانَتْ دِيَةُ الْمُسْلِمِ مُؤَقَّتَةً لاَ يُنْقِصُ مِنْهَا شَرُّ النَّاسِ وَلاَ يَزِيدُ فِيهَا خَيْرُهُمْ وَكَانَ مَنْ اسْتَهْلَكَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَيْفَ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الْعَبِيدِ‏؟‏ وَكَيْفَ إذَا نَقَصَ الْعَبِيدُ لَمْ يُنْقِصْ الْإِبِلَ وَكَيْفَ إذَا نَقَصَ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ لَمْ يُنْقِصْ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ النُّقْصَانِ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ أَنْقِصْهُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ فَاجْعَلْهُ نِصْفَ امْرَأَةٍ لِأَنَّ حَدَّهُ نِصْفُ حَدِّهَا أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ لاَ بَلْ اجْعَلْ دِيَتَهُ مُؤَقَّتَةً كَمَا قَدْ تَكُونُ دِيَةُ الْأَحْرَارِ مُؤَقَّتَةً أَلاَ يَكُونُ هَؤُلاَءِ أَقْرَبَ أَنْ يَكُونَ لِقَوْلِهِمْ عِلَّةٌ تَشْتَبِهُ إذَا كَانَ لاَ شُبْهَةَ لِقَوْلِهِ أَنْقِصْهُ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ آخَرُ بَلْ أَنْقِصْهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ‏,‏ أَوْ قَالَ آخَرُ بَلْ أَنْقِصْهُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا انْتَهَى إلَيْهِ النَّبِيُّ فِي الْجِرَاحِ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ الْقِيمَةِ وَلاَ طَرِيقِ الدِّيَةِ‏,‏ أَوْ رَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ مُكَاتَبًا وَعَبْدًا لِلْمُكَاتَبِ وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ عَبْدِهِ تِسْعَةُ آلاَفٍ أَلَيْسَ يُجْعَلُ فِي عَبْدِ الْمُكَاتَبِ أَكْثَرُ مِمَّا يُجْعَلُ فِي سَيِّدِهِ‏؟‏ وَلاَ أَعْلَمُ أَنَّهُ احْتَجَّ بِشَيْءٍ لَهُ وَجْهٌ وَلاَ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ يُخْطِئُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى إنْ كَانَتْ حَجَّتُهُ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَهُ فَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ مِنْ التَّابِعِينَ لَيْسُوا بِحُجَّةٍ عَلَى أَحَدٍ‏.‏

بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه مَنْ قَتَلَ رَجُلاً خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَإِنَّهُ لاَ يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَلاَ مِنْ الْقَوَدِ وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا وَوَرِثَ ذَلِكَ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ الْمَقْتُولِ بَعْدَ الْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لاَ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِقَتْلِهِ إذْ الْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَتْلِ عَمْدًا وَقَالُوا فِي الْقَتْلِ خَطَأً لاَ يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَيَرِثُ مِنْ مَالِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ فَرَّقُوا بَيْنَ دِيَتِهِ وَمَالِهِ يَنْبَغِي إنْ وَرِثَ مِنْ مَالِهِ أَنْ يَرِثَ مِنْ دِيَتِهِ هَلْ رَأَيْتُمْ وَارِثًا وَرِثَ مِنْ مِيرَاثِ رَجُلٍ مِيرَاثًا مِنْ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ إمَّا أَنْ يَرِثَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِمَّا أَنْ لاَ يَرِثَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا‏.‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ لاَ يَرِثُ قَاتِلٌ مِمَّنْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا وَلَكِنْ يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ بَعْدَهُ‏.‏ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً فَلَمْ يُوَرِّثْهُ وَقَالَ لاَ يَرِثُ قَاتِلٌ شَيْئًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يُدْخَلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ يُوَرِّثُ الصَّبِيَّ وَالْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ إذَا قَتَلاَ شَبِيهٌ بِمَا أُدْخِلَ عَلَى أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ هُوَ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ هُوَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةَ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَالِغِ الدِّيَةَ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ مَأْثَمَ عَلَى قَاتِلِ خَطَأٍ إذَا تَعَمَّدَ غَيْرَ الَّذِي قَتَلَ مِثْلَ أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا وَلاَ يَرْمِيَ إنْسَانًا فَيَعْرِضَ الْإِنْسَانُ فَيُصِيبَهُ السَّهْمُ وَهَذَا عِنْدَهُ مِمَّا رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَضَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ يُدْخِلُ عَلَى أَصْحَابِنَا مَا أُدْخِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ يُوَرِّثُونَ قَاتِلَ الْخَطَأِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ وَهِيَ لَوْ كَانَتْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لَمْ تَعْدُ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَرِثَهُ مِنْ مَالِهِ وَوَرِثَهُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ‏;‏ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ‏,‏ وَلَيْسَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَرِثَ قَاتِلُ الْخَطَأِ وَلاَ يَرِثَ قَاتِلُ الْعَمْدِ خَبَرٌ يُتَّبَعُ إلَّا خَبَرُ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَرْفَعُهُ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ شَيْءٌ وَيَرِدَ آخَرُ لاَ مُعَارِضَ لَهُ‏.‏

بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاَ قِصَاصَ عَلَى قَاتِلٍ إلَّا قَاتِلٍ قَتَلَ بِسِلاَحٍ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْقَوَدُ بِالسِّلاَحِ فَإِذَا قَتَلَ الْقَاتِلُ بِشَيْءٍ لاَ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ يَقَعُ مَوْقِعَ السِّلاَحِ أَوْ أَشَدَّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّلاَحِ‏,‏ وَإِذَا ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ وَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لاَ يَعِيشُ هُوَ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ يَقَعُ مَوْقِعَ السِّلاَحِ أَوْ أَشَدَّ فَهَذَا أَيْضًا فِيهِ الْقِصَاصُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَنْ قَالَ الْقِصَاصُ فِي السَّوْطِ وَالْعَصَا فَقَدْ تَرَكَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْهُورَ الْمَعْرُوفَ وَخُطْبَتَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ حِينَ خَطَبَ‏:‏ ‏{‏أَلاَ إنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ الْعَمْدِ مِثْلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا‏}‏ فَإِذَا كَانَ مَا تَعَمَّدَ بِهِ مِنْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ فَقَتَلَهُ بِهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بَطَلَ هَذَا الْحَدِيثُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى إلَّا أَنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ الْعَمْدِ هُوَ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِالسَّوْطِ أَوْ بِالْعَصَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَأَتَى عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَقَدْ بَطَلَتْ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ تَعَمَّدَتْ بِهِ النَّفْسُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَقَتَلَتْ بِهِ كَانَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي أَيِّ شَيْءٍ فُرِضَتْ إنَّمَا هُوَ خَطَأٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ عَمْدٌ فَشِبْهُ الْعَمْدِ الَّذِي غُلِّظَتْ فِيهِ الدِّيَةُ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فِي النَّفْسِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِشِبْهِ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ مَعْنًى فِي قَوْلِهِمْ‏.‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ أَوْ رِمْيَةِ تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحِجَارَةٍ أَوْ جُلِدَ بِالسَّوْطِ أَوْ ضُرِبَ بِعَصًا فَهُوَ خَطَأٌ عَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطَأِ وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ فَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْقَتْلُ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ قَتْلُ عَمْدٍ وَهُوَ مَا عَمَدَ الْمَرْءُ بِالْحَدِيدِ الَّذِي هُوَ أَوْحَى فِي الْإِتْلاَفِ وَبِمَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ بِكَثْرَةِ الضَّرْبِ وَتَتَابُعِهِ أَوْ عِظَمِ مَا يُضْرَبُ بِهِ مِثْلُ فَضْخِ الرَّأْسِ وَمَا أَشْبَهُهُ فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ وَالْخَطَأُ كُلَّمَا ضَرَبَ الرَّجُلُ أَوْ رَمَى يُرِيدُ شَيْئًا وَأَصَابَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِحَدِيدِ أَوْ غَيْرِهِ وَشِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ مَا عَمَدَ بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ مِثْلُ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ أَوْ الْعَصَا أَوْ الْيَدِ فَأَتَى عَلَى يَدِ الضَّارِبِ فَهَذَا الْعَمْدُ فِي الْفِعْلِ الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ وَهُوَ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي هَذَا الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِيهِ ثَلاَثُونَ حِقَّةً وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُيَيْنَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏أَلاَ إنَّ فِي قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى مَنْ احْتَجَّ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَتَرَكَهُ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْهِ‏;‏ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعٌ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً فَأَوَّلُ مَا يَلْزَمُ مُحَمَّدًا فِي هَذَا أَنْ زَعَمَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا‏}‏ وَهُوَ لاَ يَجْعَلُ خَلِفَةً وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ حُدِّدَ خِلاَفُهُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ يُنْصَفُ مَنْ احْتَجَّ بِشَيْءٍ إذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ قَالَ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَهُ وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مِثْلَ مَا قُلْنَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلاَثُونَ حِقَّةً وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً مِنْ حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ وَمِنْ حَدِيثٍ آخَرِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ حِقَّةً وَثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ خَلِفَةً وَرَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مِثْلَ مَا قُلْنَا وَخَالَفَ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ عُمَرَ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِخِلاَفِهِمْ مَا قَدْ خَالَفَ هُوَ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِمْ بِهِ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه مَنْ قَتَلَ رَجُلاً عَمْدًا قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ غَيْرَ غِيلَةٍ فَذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ مِنْ غَيْرِ ثَائِرَةٍ وَلاَ عَدَاوَةٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَيْسَ لِوُلاَةِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوا عَنْهُ وَذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ يَقْتُلُ فِيهِ الْقَاتِلُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ فَلَمْ يُسَمِّ فِي ذَلِكَ قَتْلَ الْغِيلَةِ وَلاَ غَيْرَهَا فَمَنْ قُتِلَ وَلِيُّهُ فَهُوَ وَلِيُّهُ فِي دَمِهِ دُونَ السُّلْطَانِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَلَيْسَ إلَى السُّلْطَانِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ‏.‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَعَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه كَانَتْ لَهُمْ النَّفْسُ فَلَمَّا عَفَا هَذَا أَحْيَا النَّفْسَ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ حَتَّى يَأْخُذَ غَيْرُهُ قَالَ فَمَا تَرَى قَالَ أَرَى أَنْ تَجْعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَتَرْفَعَ حِصَّةَ الَّذِي عَفَا فَقَالَ عُمَرُ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ‏.‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ مَنْ عَفَا مِنْ ذِي سَهْمٍ فَعَفْوُهُ عَفْوٌ فَقَدْ أَجَازَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ الْعَفْوَ مِنْ أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَمْ يَسْأَلُوا أَقَتْلُ غِيلَةٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كُلُّ مَنْ قُتِلَ فِي حِرَابَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ مِصْرٍ أَوْ مُكَابَرَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ قُتِلَ نَائِرَةً فَالْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ إلَى السُّلْطَانِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا الْأَدَبَ إذَا عَفَا الْوَلِيُّ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ بِسِلاَحٍ فَيَمُوتُ مَكَانَهُ إنَّهُ لاَ قَوَدَ عَلَى الْمُمْسِكِ وَالْقَوَدُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَكِنَّ الْمُمْسِكَ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ فِي السِّجْنِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلاَ بِهِ جَمِيعًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ وَلَمْ يَقْتُلْ وَإِذَا أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنْ لاَ يُرِيدَ قَتْلَهُ فَتَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ قَالُوا لاَ إنَّمَا نَقْتُلُهُ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قِيلَ لَهُمْ فَلاَ نَرَى الْقَوَدَ فِي قَوْلِكُمْ يَجِبُ عَلَى الْمُمْسِكِ إلَّا بِظَنِّهِ وَالظَّنُّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ أَرَأَيْتُمْ رَجُلاً دَلَّ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ وَاَلَّذِي دَلَّ يَرَى أَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَيُقْتَلُ الدَّالُّ وَالْقَاتِلُ جَمِيعًا وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا الدَّالَّ كَمَا تَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ أَرَأَيْتُمْ رَجُلاً أَمَرَ رَجُلاً بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَالْآمِرُ يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ يُقْتَلاَ جَمِيعًا أَرَأَيْتُمْ رَجُلاً حَبَسَ امْرَأَةً لِرَجُلٍ حَتَّى زَنَى بِهَا أَيُحَدَّانِ جَمِيعًا أَوْ يُحَدُّ الَّذِي فَعَلَ الْفِعْلَ‏؟‏ فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَيُرْجَمَانِ جَمِيعًا‏؟‏ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ أَنْ يَقُولَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَرَأَيْتُمْ رَجُلاً سَقَى خَمْرًا أَيُحَدَّانِ جَمِيعًا حَدَّ الْخَمْرِ أَمْ يُحَدُّ الشَّارِبُ خَاصَّةً‏؟‏ أَرَأَيْتُمْ رَجُلاً أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى رَجُلٍ فَافْتَرَى عَلَيْهِ أَيُحَدَّانِ جَمِيعًا أَمْ يُحَدُّ الْقَاذِفُ خَاصَّةً‏؟‏ يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ يُحَدَّا جَمِيعًا هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ‏,‏ لاَ يُحَدُّ إلَّا الْفَاعِلُ وَلاَ يُقْتَلُ إلَّا الْقَاتِلُ وَلَكِنَّ عَلَى الْآخَرِ التَّعْزِيرَ وَالْحَبْسَ‏.‏ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلاً مُتَعَمِّدًا وَأَمْسَكَهُ آخَرُ فَقَالَ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ الْآخَرُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ حَدَّ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى الْفِعْلِ نَفْسَهُ وَجَعَلَ فِيهِ الْقَوَدَ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا‏}‏ فَكَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الآيَةِ أَنَّ السُّلْطَانَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ نَفْسِهِ وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ اعْتَبَطَ مُسْلِمًا يُقْتَلُ فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ‏}‏ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى يُقْتَدَى بِهِ حَدَّ أَحَدًا قَطُّ عَلَى غَيْرِ فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ قَوْلِهِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً حَبَسَ رَجُلاً لِرَجُلِ فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ وَعُوقِبَ الْحَابِسُ وَلاَ يَجُوزُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَتَلْت الْقَاتِلَ بِالْقَتْلِ أَنْ أَقْتُلَ الْحَابِسَ بِالْحَبْسِ وَالْحَبْسُ غَيْرُ الْقَتْلِ وَمَنْ قَتَلَ هَذَا فَقَدْ أَحَالَ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ إذَا قَالَ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى‏}‏ فَالْقِصَاصُ أَنْ يُفْعَلَ بِالْمَرْءِ مِثْلُ مَا فَعَلَ‏.‏ وَقُلْنَا أَرَأَيْت الْحَابِسَ إذَا اقْتَصَصْنَا مِنْهُ وَالْقِصَاصُ هُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ هَلْ ثَمَّ قَتْلٌ فَيُقْتَلُ بِهِ وَإِنَّمَا ثَمَّ حَبْسٌ وَالْحَبْسُ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا قِصَاصٌ فَيُعَزَّرُ عَلَيْهَا وَسَوَاءٌ حَبَسَهُ لِيَقْتُلَهُ أَوْ لاَ يَقْتُلَهُ وَلَوْ كَانَ الْحَبْسُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَتْلِ إذَا نَوَى الْحَابِسُ أَنْ يَقْتُلَ الْمَحْبُوسَ انْبَغَى لَوْ لَمْ يُقْتَلْ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْفِعْلَ الَّذِي يُقِيمُهُ مَقَامَ الْقَتْلِ مَعَ النِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ صَاحِبُنَا وَعَلَى مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَامَّةُ مَا أَدْخَلَ مُحَمَّدٌ عَلَى صَاحِبِنَا يَدْخُلُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ لاَ يَسْلَمُ مِنْ أَنْ يَغْفُلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرِ فَيَدْخُلَ فِي أَكْثَرَ مِمَّا عَابَ عَلَى صَاحِبِنَا فَيَكُونَ جَمِيعُ مَا احْتَجَّ بِهِ عَلَى صَاحِبِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حُجَّةً عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْمًا لَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ فَقَتَلُوا وَلَهُمْ قَوْمٌ رِدْءٌ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَإِنْ كَانُوا لاَ يَرَوْنَ مَا فَعَلَ هَؤُلاَءِ مِنْ الْقَتْلِ قُتِلَ الْقَاتِلُونَ بِقَتْلِهِمْ وَالرَّادُّونَ بِأَنَّ هَؤُلاَءِ قَتَلُوا بِقُوَّتِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رحمه الله أَوْ رَوَيْت فِي هَذَا شَيْئًا‏؟‏ فَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةً فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت رَجُلاً شَدِيدًا أَرَادَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَالَ لِرَجُلٍ شَدِيدٍ لَوْلاَ ضَعْفِي قَتَلْت فُلاَنًا فَقَالَ أَنَا أُكَتِّفُهُ لَك فَكَتَّفَهُ وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَرَفَعَ لِحْيَتَهُ حَتَّى أَبْرَزَ مَذْبَحَهُ وَأَعْطَى الضَّعِيفَ سِكِّينًا فَذَبَحَهُ فَزَعَمْت أَنَّك تَقْتُلُ الذَّابِحَ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ وَلاَ تَلْتَفِتُ إلَى مَعُونَةِ هَذَا الَّذِي كَانَ سَبَبَهُ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى الْفِعْلِ أَكَانَ هَذَا أَعْوَنَ عَلَى قَتْلِ هَذَا أَوْ الرِّدْءَ عَلَى قَتْلِ مَنْ مَرَّ فِي الطَّرِيقِ‏؟‏ ثُمَّ تَقُولُ فِي الرِّدْءِ لَوْ كَانُوا حَيْثُ لاَ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَإِنْ كَانُوا يَرَوْنَ الْقَوْمَ وَيُعَزِّزُونَهُمْ وَيُقَوُّونَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ إلَّا التَّعْزِيرُ فَمَنْ حَدَّ لَك حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ قَالَ فَصَاحِبُكُمْ يَقُولُ مَعِي مِثْلُ هَذَا فِي الرِّدْءِ يُقْتَلُونَ قُلْت فَتَقُومُ لَك بِهَذَا حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِك إنْ كَانَ قَوْلُك لاَ يَكُونُ حُجَّةً أَفَيَكُونُ قَوْلُ صَاحِبِنَا الَّذِي تَسْتَدْرِكُ عَلَيْهِ مِثْلَ هَذَا حُجَّةً‏؟‏ قَالَ فَلاَ تَقُلْهُ قُلْت لاَ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَعْقِلُ يَقُولُهُ وَمَنْ قَالَهُ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَلَزِمَهُ كَثِيرٌ مِمَّا احْتَجَجْت بِهِ فَلَوْ كُنْت إذَا احْتَجَجْت فِي شَيْءٍ أَوْ عِبْته سَلِمْت مِنْهُ كَانَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ لاَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَمُوتَ فَخَالَفَ مَا احْتَجَّ بِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاَ قَوَدَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا فِي النَّفْسِ‏.‏ وَكَذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِ الرَّجُلِ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَرَأَيْتُمْ الْمَرْأَةَ فِي الْعَقْلِ أَلَيْسَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ‏؟‏ قَالُوا بَلَى‏:‏ قِيلَ لَهُمْ فَكَيْفَ قُطِعَتْ يَدُهُ بِيَدِهَا وَيَدُهُ ضِعْفُ يَدِهَا فِي الْعَقْلِ‏؟‏ قَالُوا أَنْتَ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا أَنْتَ تَقْتُلُهُ بِالْمَرْأَةِ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ قِيلَ لَهُمْ لَيْسَتْ النَّفْسُ كَغَيْرِهَا أَلاَ تَرَى أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قَتَلُوا رَجُلاً ضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا‏.‏ وَلَوْ أَنَّ عَشَرَةً قَطَعُوا يَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَمْ تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ النَّفْسُ وَالْجِرَاحُ‏.‏ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّا نَقْطَعُ يَدَيْ رَجُلَيْنِ بِيَدِ رَجُلٍ فَأَخْبِرُونَا عَنْ رَجُلَيْنِ قَطَعَا يَدَ رَجُلٍ جَمِيعًا جَزَّهَا أَحَدُهُمَا مِنْ أَعْلاَهَا وَالْآخَرُ مِنْ أَسْفَلِهَا حَتَّى الْتَقَتْ الْحَدِيدَتَانِ فِي النِّصْفِ مِنْهَا أَتُقْطَعُ يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا قُطِعَ نِصْفُ يَدِهِ‏؟‏ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَد‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ إذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قُتِلَ بِهَا وَإِذَا قَطَعَ يَدَهَا قُطِعَتْ يَدُهُ بِيَدِهَا فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ الَّتِي هِيَ الْأَكْثَرُ بِالنَّفْسِ فَاَلَّذِي هُوَ أَقَلُّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِمَا هُوَ أَقَلُّ وَلَيْسَ الْقِصَاصُ مِنْ الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ فَقَدْ يَقْتُلُهُ بِهَا وَعَقْلُهَا نِصْفُ عَقْلِهِ‏.‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَدِيَةُ الْحُرِّ عِنْدَهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَعَلَّ دِيَةَ الْعَبْدِ خَمْسَةُ دَنَانِيرِ فَلَوْ كَانَ تَفَاوُتُ الدِّيَةِ يَمْنَعُ الْقَتْلَ لَمْ يُقْتَلْ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلاَ حُرٌّ بِعَبْدٍ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ فِي الْعَبْدِ عِنْدَهُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ وَلاَ عَبْدٌ بِعَبْدٍ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ أَكْثَرَ قِيمَةٍ مِنْ الْمَقْتُولِ‏.‏ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْعَقْلِ بِسَبِيلٍ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْجِرَاحِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَهَا ذِكْرًا وَاحِدًا فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي حَكَمَ بِهَا فِيهِ فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏النَّفْسَ بِالنَّفْسِ -‏}‏ إلَى -‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ فَلَمْ يُوجِبْ فِي النَّفْسِ شَيْئًا مِنْ الْقَوَدِ إلَّا أَوْجَبَ فِيمَا سَمَّى مِثْلَهُ‏.‏ فَإِذَا زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنَّ عَشَرَةً يَقْتُلُونَ رَجُلاً وَاحِدًا فَيُقْتَلُونَ بِهِ وَلَوْ قَطَعُوا يَدَهُ لَمْ تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ فَلَوْ قَالُوا مَعَهُ قَوْلَهُ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بَلْ كَانَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوهُ فَإِذَا جَعَلْت الْعَشَرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقْتُلُ كَأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسٍ عَلَى الْكَمَالِ فَكَذَلِكَ فَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ عَشْرَ دِيَاتٍ إذَا قَتَلُوا إنْسَانًا فَإِنْ قُلْت مَعْنَى الْقِصَاصِ غَيْرُ مَعْنَى الدِّيَةِ قُلْنَا وَكَذَلِكَ فِي النَّفْسِ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت نَعَمْ قَالُوا لَك لاَ نَسْمَعُ مَا احْتَجَجْت بِهِ إلَّا عَلَيْك مَعَ أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ أَوْ مَنْ قَطَعَ مِنْهُمْ يَدَيْنِ بِيَدٍ وَإِذَا يَدَيْنِ بِيَدٍ فَإِنَّمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا قَاسُوهَا عَلَى النَّفْسِ فَقَالُوا إذَا أَفَاتَا شَيْئًا لاَ يَرْجِعُ كَإِفَاتَةِ النَّفْسِ الَّتِي لاَ تَرْجِعُ قَضَيْنَا عَلَيْهِمَا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِفَاتَةِ قَضَاءَ كُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلاً عَلَى الِانْفِرَادِ‏.‏

بَابُ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه لاَ قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلاً لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلاَ قَوَدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلاً أُقِيدَ مِنْهُ وَلاَ يَعْقِلُ وَلَكِنَّهُ لاَ يُقَادُ حَتَّى يَبْرَأَ جُرْحُ صَاحِبِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْآثَارُ فِي أَنَّهُ لاَ قَوَدَ فِي عَظْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ لَيْسَ فِي عَظْمٍ قِصَاصٌ إلَّا السِّنَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاَ قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَفِي الْكَسْرِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي مَالِهِ وَلَمْ أَكُنْ لِأَضَعَ الْحَدِيدَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهَا فِيهِ الْقَاطِعُ وَلاَ أَقْتَصُّ مِنْ عَظْمٍ فَلِذَلِكَ جَعَلْت فِي ذَلِكَ الدِّيَةَ قَالَ وَقَدْ اجْتَمَعْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لاَ قَوَدَ فِي مَأْمُومَةٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى الْقَوَدَ فِي الْعِظَامِ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الْمَأْمُومَةِ لِأَنَّهَا عَظْمٌ كُسِرَ فَوَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ وَلَمْ يُصِبْ الدِّمَاغَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَجْعَلَ فِي الْمُنَقِّلَةِ الْقَوَدَ وَإِنْ اقْتَصَّ مِنْ عَظْمِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلَمْ يُقْتَصَّ مِنْ كَسْرِ عَظْمِ الرَّأْسِ فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا افْتِرَاقٌ وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْهَاشِمَةِ وَهِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي هَشَّمَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ فَإِنْ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْ هَذَا فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَقَدْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رضي الله عنه ذَاتَ يَوْمٍ كُنَّا لاَ نَقُصُّ مِنْ الْأَصَابِعِ حَتَّى قَصَّ مِنْهَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَاضٍ عَلَيْهِمْ فَقَصَصْنَا مِنْهَا فَلَيْسَ يَعْدِلُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فِي الْأَشْيَاءِ بِمَا عَمِلَ بِهِ عَامِلٌ فِي بِلاَدِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ مَعْقُولٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقِصَاصِ إذْ قَالَ جَلَّ وَعَلاَ‏:‏ ‏{‏النَّفْسَ بِالنَّفْسِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ إنَّمَا هُوَ إفَاتَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فَهَذَا سَوَاءٌ وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِالْجَارِحِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْمَجْرُوحِ فَلاَ نَقْصَ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا فِي شَيْءٍ يُفَاتُ مِنْ الَّذِي أَفَاتَ مِثْلَ عَيْنٍ وَسِنٍّ وَأُذُنٍ وَلِسَانٍ وَغَيْرِ هَذَا مِمَّا يُفَاتُ فَهَذَا يُفَاتُ إفَاتَةَ النَّفْسِ أَوْ جُرِحَ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْجَارِحِ كَمَا أَخَذَ مِنْ الْمَجْرُوحِ فَإِذَا كَانَ عَلَى الِابْتِدَاءِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنَّهُ يَقُصُّ مِنْهُ فَلاَ يُزَادُ فِيهِ وَلاَ يُنْقَصُ اقْتَصَّ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلاَ قِصَاصَ فِيهِ قَالَ وَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ أَنْ لاَ يُقِصَّ مِنْهُ كَسْرُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ دُونَ عَظْمِهِمَا حَائِلاً مِنْ جِلْدٍ وَعُرُوقٍ وَلَحْمٍ وَعَصَبٍ مَمْنُوعٌ إلَّا بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَبْقَيْنَا أَنْ نَكْسِرَ عَظْمَهُ كَمَا كَسَرَ عَظْمَهُ لاَ نَزِيدُ فِيهِ وَلاَ نَنْقُصُ فَعَلْنَا وَلَكِنَّا لاَ نَصِلُ إلَى الْعَظْمِ حَتَّى نَنَالَ مِمَّا دُونَهُ مِمَّا وَصَفْت مِمَّا لاَ يَعْرِفُ قَدْرَهُ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مِمَّا نَالَ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنْ لاَ نَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ كَسْرٌ كَكَسْرٍ أَبَدًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْمَأْمُومَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْهَاشِمَةُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا قِصَاصٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَنْ جَنَاهَا فَقَدْ شَقَّ بِهَا اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ فَنَشُقُّ اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ كَمَا شَقَّهُ وَنُهَشِّمُ الْعَظْمَ أَوْ نَنْقُلهُ أَوْ نَؤُمُّهُ فَنَخْرِقُهُ‏,‏ فَإِنْ قَالَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَظْمِ وَهُوَ بَارِزٌ فَهُوَ لَمْ يَتَعَذَّرْ دُونَهُ فَكَذَلِكَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَظْمِ دُونَهُ غَيْرُهُ‏.‏

‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ‏)‏ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى إذَا غَنِمَ جُنْدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَنِيمَةً فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلاَ يَقْتَسِمُونَهَا حَتَّى يُخْرِجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ وَيَحُوزُوهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَمْ يَقْفِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ أَصَابَ فِيهَا مَغْنَمًا إلَّا خَمَّسَهُ وَقَسَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْفِلَ مِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَخَيْبَرَ وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَهَا صَفِيَّةَ وَقَتَلَ كِنَانَةَ بْنَ الرَّبِيعِ وَأَعْطَى أَخِيهِ دِحْيَةَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ جُيُوشُهُمْ فِي أَرْضِ الرُّومِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَخِلاَفَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنهما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا وَفِي أَرْضِ الشِّرْكِ حِينَ هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَقُتِلَ الْوَلِيدُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى أَمَّا غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ بِلاَدَهُمْ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَصَارَتْ بِلاَدُهُمْ دَارَ الْإِسْلاَمِ وَبَعَثَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ فَأَخَذَ صَدَقَاتِهِمْ وَعَلَى هَذِهِ الْحَالِ كَانَتْ خَيْبَرُ حِينَ افْتَتَحَهَا وَصَارَتْ دَارَ الْإِسْلاَمِ وَعَامَلَهُمْ عَلَى النَّخْلِ وَعَلَى هَذَا كَانَتْ حُنَيْنٌ وَهَوَازِنُ وَلَمْ يُقَسِّمْ فَيْءَ حُنَيْنٍ إلَّا بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ عَنْ الطَّائِفِ حِينَ سَأَلَهُ النَّاسُ وَهُمْ بِالْجِعْرَانَةِ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمْ‏.‏ فَإِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى دَارٍ وَأَثْخَنَ أَهْلَهَا فَيَجْرِي حُكْمُهُ عَلَيْهَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُقَسِّمَ الْغَنِيمَةَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مُغِيرًا فِيهَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجْرِ حُكْمُهُ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يُقَسِّمَ فِيهَا غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْهُ وَمِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ جَيْشٌ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ مَدَدًا لَهُمْ شَارَكُوهُمْ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ وَمِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَوْ اسْتَنْقَذُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ ثُمَّ غَنِمَهُ جَيْشٌ آخَرُ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ عَلَى الْأَوَّلِينَ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَمَّا مَا ذَكَرَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَقْسِمُونَ مَغَانِمَهُمْ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله تعالى عنهما فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ يُقْبَلُ إلَّا عَنْ الرِّجَالِ الثِّقَاتِ فَعَمَّنْ هَذَا الْحَدِيثُ وَعَمَّنْ ذَكَرَهُ وَشَهِدَهُ وَعَمَّنْ رَوَى‏؟‏ وَنَقُولُ أَيْضًا إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَسْمُهُ جَائِزٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَمُولَةٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْمَغْنَمَ أَوْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا أَوْ كَانَتْ عِلَّةً فَقَسَّمَ لَهَا الْمَغْنَمَ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّ أَحَبَّ ذَلِكَ إلَيْنَا وَأَفْضَلَهُ أَنْ لاَ يُقَسِّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ إلَيْهِ حَاجَةٌ حَتَّى يُخْرِجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ‏.‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إنِّي قَدْ أَمْدَدْتُك بِقَوْمٍ فَمَنْ أَتَاك مِنْهُمْ قَبْلَ تَنْفُقُ الْقَتْلَى فَأَشْرِكْهُ فِي الْغَنِيمَةِ‏.‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهَذَا يُعْلِمُ أَنَّهُمْ لَمْ يُحْرِزُوا ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ سُئِلَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ فِينَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْزِلَتْ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ انْتَزَعَهُ مِنَّا حِينَ اخْتَلَفْنَا وَسَاءَتْ أَخْلاَقُنَا فَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُهُ حَيْثُ شَاءَ‏.‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى وَذَلِكَ عِنْدَنَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُحْرِزُوهُ وَيُخْرِجُوهُ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقَسِّمْ غَنَائِمَ بَدْرٍ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ضَرَبَ لِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ فِي ذَلِكَ بِسَهْمٍ سَهْمٍ فَقَالاَ وَأَجْرُنَا فَقَالَ وَأَجْرُكُمَا وَلَمْ يَشْهَدَا وَقْعَةَ بَدْرٍ‏}‏ أَشْيَاخُنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ‏:‏ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُقَسِّمْ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ‏}‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقْضُونَ بِالْقَضَاءِ فَيُقَالُ لَهُمْ عَمَّنْ‏؟‏ فَيَقُولُونَ بِهَذَا جَرَتْ السُّنَّةُ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ قَضَى بِهِ عَامِلُ السُّوقِ أَوْ عَامِلٌ مَا مِنْ الْجِهَاتِ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى هَذَا كَانَتْ الْمَقَاسِمُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما وَهَلُمَّ جَرًّا غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدَنَا الْكَلْبِيُّ مِنْ حَدِيثٍ رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَنَّهُ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ إلَى بَطْنِ نَخْلَةَ فَأَصَابَ هُنَالِكَ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيَّ وَأَصَابَ أَسِيرًا أَوْ اثْنَيْنِ وَأَصَابَ مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أُدْمٍ وَزَيْتٍ وَتِجَارَةٍ مِنْ تِجَارَةِ أَهْلِ الطَّائِفِ فَقَدِمَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُقَسِّمْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ‏}‏ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الآيَةِ فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْنَمَ وَخَمَّسَهُ‏}‏ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ قِيلَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إنَّ شُرَحْبِيلَ ابْنَ حَسَنَةَ بَاعَ غَنَمًا وَبَقَرًا أَصَابَهَا بِقَنْسَرِينَ نَحَلَهَا النَّاسَ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ الْمَغْنَمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَبِيعُونَهُ فَقَالَ مُعَاذٌ لِمَ شُرَحْبِيلُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ مُحْتَاجِينَ إلَى لُحُومِهَا فَقَوُوا عَلَى خَلَّتِهَا فَلْيَبِيعُوهَا فَلْيَكُنْ ثَمَنُهَا فِي الْغَنِيمَةِ وَالْخُمُسِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُحْتَاجِينَ إلَى لُحُومِهَا فَلْتُقْسَمْ عَلَيْهِمْ فَيَأْكُلُونَهَا‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَ أَمْوَالَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَفِيهَا الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ فَقَسَّمَهَا وَأَخَذَ الْخُمُسَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ النَّاسَ مَا أَصَابُوا مِنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَا احْتَجَّ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ غَيْرَ مَغْنَمٍ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهَرَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ إسْلاَمٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارُّونَ فِي نِعَمِهِمْ فَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فِي دَارِهِمْ سَنَةَ خَمْسٍ وَإِنَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَهَا بِزَمَانٍ وَإِنَّمَا بَعَثَ إلَيْهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ مُصَدِّقًا سَنَةَ عَشْرٍ وَقَدْ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ وَدَارُهُمْ دَارُ حَرْبٍ وَأَمَّا خَيْبَرُ فَمَا عَلِمْته كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وَمَا صَالَحَ إلَّا الْيَهُودَ وَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ إنَّ مَا حَوْلَ خَيْبَرَ كُلَّهُ دَارُ حَرْبٍ وَمَا عَلِمْت لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَقُلْت مِنْ مَوْضِعِهَا حَتَّى تُقَسِّمَ مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لَكَانَ قَدْ أَجَازَ أَنْ يُقَسِّمَ الْوَالِي بِبِلاَدِ الْحَرْبِ فَدَخَلَ فِيمَا عَابَ وَأَمَّا حَدِيثُ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَاءَك مِنْهُمْ قَبْلَ تَنَفُّقِ الْقَتْلَى فَأَسْهِمْ لَهُ فَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا دَاخِلٌ فِيمَا عَابَ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّهُ عَابَ عَلَيْهِ غَيْرَ الثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ مَا عَلِمْت الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا إلَّا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ‏,‏ وَلَقَدْ اُحْتُجَّ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ بِحَدِيثِ رِجَالٍ وَهُوَ يَرْغَبُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ فَإِنْ كَانَ حَدِيثُ مُجَالِدٍ ثَابِتًا فَهُوَ يُخَالِفُهُ هُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَدَدَ إذَا جَاءَهُ وَلَمَّا يَخْرُجْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ بِلاَدِ الْحَرْبِ وَالْقَتْلَى نُظَرَاؤُهُمْ لَمْ يُنْفِقُوا وَلاَ يُنْفِقُونَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ مَعَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ عِنْدَهُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِينَ دُونَ الْمَدَدِ إذَا نَفَقَتْ الْقَتْلَى انْبَغَى أَنْ يُعْطِيَ الْمَدَدَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ تَنْفُقَ الْقَتْلَى قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ قَسَّمَ بِبِلاَدِ الْحَرْبَ كَانَ جَائِزًا وَهَذَا تَرْكٌ لِقَوْلِهِ وَدُخُولٌ فِيمَا عَابَ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ قَسَّمَ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ الْمَدَدُ قَبْلَ تَنْفُقُ الْقَتْلَى لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَدِ شَيْءٌ وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ وَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ بِحَدِيثٍ عَنْ عُمَرَ لاَ يَأْخُذُ بِهِ وَيَدَعُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ نَفَقَتْ الْقَتْلَى وَهُمْ فِي بِلاَد الْحَرْبِ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهَا وَلَمْ يَقْتَسِمُوا شِرْكَهُمْ الْمَدَدُ وَكُلُّ هَذَا الْقَوْلِ خُرُوجٌ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لاَ لِلْمَدَدِ وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله تعالى عنهما وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقَسِّمْ غَنَائِمَ بَدْرٍ حَتَّى وَرَدَ الْمَدِينَةَ‏}‏ وَمَا ثَبَتَ مِنْ الْحَدِيثِ بِأَنْ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ رضي الله تعالى عنهما وَلَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ فَهُوَ يُخَالِفُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بِسَيْرِ شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الصَّحْرَاءِ قَرِيبٍ مِنْ بَدْرٍ وَكَانَتْ غَنَائِمُ بَدْرٍ كَمَا يَرْوِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ فَلَمَّا تَشَاحُّوا عَلَيْهَا انْتَزَعَهَا اللَّهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ‏}‏ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا خَالِصَةً وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ لَمْ يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ‏}‏ بَعْدَ غَنِيمَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يَعْلَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِخَلْقٍ لَمْ يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ وَمَنْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا مِنْ مَالِهِ أَعْطَاهُمْ لاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَأَمَّا مَا اُحْتُجَّ بِهِ مَنْ وَقْعَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ وَقَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ وَكَانَتْ وَقْعَتُهُمْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَوَقَفُوا فِيمَا صَنَعُوا حَتَّى نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ‏}‏ وَلَيْسَ مِمَّا خَالَفَهُ فِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ بِسَبِيلٍ‏.‏

أَخْذُ السِّلاَحِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى لاَ بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ السِّلاَحَ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَيُقَاتِلَ بِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْحَرْبِ ثُمَّ يَرُدَّهُ فِي الْمَغْنَمِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُقَاتِلُ مَا كَانَ النَّاسُ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَلاَ يَنْتَظِرُ بِرَدِّهِ الْفَرَاغَ مِنْ الْحَرْبِ فَيُعَرِّضُهُ لِلْهَلاَكِ وَانْكِسَارِ سِنِّهِ مِنْ طُولِ مُكْثِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ‏.‏ وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏إيَّاكَ إيَّاكَ الْغُلُولَ أَنْ تَرْكَبَ الدَّابَّةَ حَتَّى يَحْسِرَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدَّى إلَى الْمَغْنَمِ أَوْ تَلْبَسَ الثَّوْبَ حَتَّى يَخْلُقَ قَبْلَ أَنْ تَرُدَّهُ إلَى الْمَغْنَمِ‏}‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَلِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَانِي وَوُجُوهُ تَفْسِيرٍ لاَ يَفْهَمُهُ وَلاَ يُبْصِرُهُ إلَّا مَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ عَنْهُ غَنِيٌّ يُبْقِي بِذَلِكَ عَلَى دَابَّتِهِ وَعَلَى ثَوْبِهِ أَوْ يَأْخُذُ ذَلِكَ يُرِيدُ بِهِ الْحَاجَةَ فَأَمَّا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ مَعَهُ دَابَّةٌ وَلَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَضْلٌ يَحْمِلُونَهُ إلَّا دَوَابُّ الْغَنِيمَةِ وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ فَإِذَا كَانَ هَذَا فَلاَ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ تَرْكُهُ وَلاَ بَأْسَ بِتَرْكِيبِهِ إنْ شَاءُوا وَإِنْ كَرِهُوا وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْحَالُ فِي السِّلاَحِ‏.‏ وَالْحَالُ فِي السِّلاَحِ أَبْيَنُ وَأَوْضَحُ أَلاَ تَرَى أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَوْ تَكَسَّرَتْ سُيُوفُهُمْ أَوْ ذَهَبَتْ وَلَهُمْ غَنَاءٌ فِي الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يَأْخُذُوا سُيُوفًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فَيُقَاتِلُوا بِهَا مَا دَامُوا فِي الْحَرْبِ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهَا فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَاحْتَاجُوا إلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ وَأَغَارَ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ يَقُومُونَ هَكَذَا فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ بِغَيْرِ سِلاَحٍ‏؟‏ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ عَلَى حَالِهِمْ كَيْفَ يَصْنَعُونَ يَسْتَأْسِرُونَ‏؟‏ هَذَا الرَّأْيُ تَوْهِينٌ لِمَكِيدَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِجُنُودِهِمْ وَكَيْفَ يَحِلُّ هَذَا مَا دَامَ فِي الْمَعْمَعَةِ وَيَحْرُمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثِّقَاتِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عَنْ الرِّجَالِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْفِقْهِ الْمَأْمُونِينَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَغْنَمُ الْغَنِيمَةَ فِيهَا الطَّعَامُ فَيَأْكُلُ أَصْحَابُهُ مِنْهَا إذَا احْتَاجَ الرَّجُلُ شَيْئًا يَأْخُذُهُ وَحَاجَةُ النَّاسِ إلَى السِّلاَحِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِلَى الدَّوَابِّ وَإِلَى الثِّيَابِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِهِمْ إلَى الطَّعَامِ‏.‏ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ‏:‏ ‏{‏عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ يَأْتِي أَحَدُنَا إلَى الطَّعَامِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَيَأْخُذُ حَاجَتَهُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا جَعَلَ السِّلاَحَ وَالثِّيَابَ وَالدَّوَابَّ قِيَاسًا عَلَى الطَّعَامِ مِنْ غَنِيٍّ يَجِدُ مَا يَشْرِي بِهِ طَعَامًا أَوْ فَقِيرٍ لاَ يَجِدُ مَا يَشْرِي بِهِ أُحِلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ‏,‏ وَأَكْلُهُ اسْتِهْلاَكٌ لَهُ فَهُوَ إنْ أَجَازَ لِمَنْ يَجِدُ مَا يَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ فَقَاسَ السِّلاَحَ وَالدَّوَابَّ عَلَيْهِ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ الطَّعَامَ وَيَتَفَكَّهَ بِرُكُوبِ الدَّوَابِّ كَمَا يَتَفَكَّهُ بِالطَّعَامِ فَيَأْكُلُ فَالُوذًا وَيَأْكُلُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَإِنْ اجْتَزَأَ بِالْخُبْزِ الْيَابِسِ بِالْمِلْحِ وَالْجُبُنِ وَاللَّبَنِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِالدَّوَابِّ اسْتِهْلاَكَهَا وَيَأْخُذَ السِّلاَحَ مِنْ بِلاَدِ الْعَدُوِّ فَيَتَلَذَّذَ بِالضَّرْبِ بِهَا غَيْرِ الْعَدُوِّ وَكَمَا يَتَلَذَّذُ بِالطَّعَامِ لِغَيْرِ الْجُوعِ وَكَانَ يَلْزَمُهُ إذَا خَرَجَ بِالدَّوَابِّ وَالسِّلاَحِ مِنْ بِلاَدِ الْعَدُوِّ أَنْ يَجْعَلَهُ مِلْكًا لَهُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ يَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّعَامِ مِلْكًا لَهُ وَلاَ أَحْسَبُ مِنْ النَّاسِ أَحَدًا يُجِيزُ هَذَا وَكَانَ لَهُ بَيْعُ سِلاَحِهِ وَدَوَابِّهِ وَأَخْذُ سِلاَحٍ وَدَوَابَّ كَمَا تَكُونُ لَهُ الصَّدَقَةُ بِطَعَامِهِ وَهِبَتِهِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ مِنْ بِلاَدِ الْعَدُوِّ فَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَلَى هَذَا وَيَصْنَعُونَ مِثْلَهُ فِي دَوَابِّهِمْ وَسِلاَحِهِمْ وَثِيَابِهِمْ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏لَوْ نَزَعْت سَهْمًا مِنْ جَبَلٍ مِنْ بِلاَدِ الْعَدُوِّ مَا كُنْت بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيك‏}‏ وَمَا أَعْلَمُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَّا مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ مَعْقُولاً لِأَنَّهُ يَحِلُّ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ الشَّيْءُ‏,‏ فَإِذَا انْقَضَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ وَمَا عَلِمْت قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسًا وَلاَ خَبَرًا‏.‏

سَهْمُ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ وَتَفْضِيلِ الْخَيْلِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه يُضْرَبُ لِلْفَارِسِ بِسَهْمَيْنِ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ وَيُضْرَبُ لِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ‏:‏ ‏{‏أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ‏}‏ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدُ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏,‏ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفَرَسُ وَالْبِرْذَوْنُ سَوَاءٌ‏,‏ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سَلَفَ حَتَّى هَاجَتْ الْفِتْنَةُ لاَ يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رضي الله تعالى عنه كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يَكْرَهُ أَنْ تُفَضَّلَ بَهِيمَةٌ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَيُجْعَلَ سَهْمُهَا فِي الْقَسْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَهْمِهِ‏.‏ فَأَمَّا الْبَرَاذِينُ فَمَا كُنْت أَحْسَبُ أَحَدًا يَجْهَلُ هَذَا وَلاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْفَرَسِ وَالْبِرْذَوْنِ وَمِنْ كَلاَمِ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَرَبُ أَنْ تَقُولَ هَذِهِ الْخَيْلُ وَلَعَلَّهَا بَرَاذِينُ كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا وَيَكُونُ فِيهَا المقاريف أَيْضًا وَمِمَّا نَعْرِفُ نَحْنُ فِي الْحَرْبِ أَنَّ الْبَرَاذِينَ أَوْفَقُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْفَرَسَانِ مِنْ الْخَيْلِ فِي لِينِ عِطْفِهَا وَقَوَدِهَا وَجَوْدَتِهَا مِمَّا لَمْ يُبْطِلْ الْغَايَةَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى هَذَا كَانَتْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سَلَفَ فَهَذَا كَمَا وَصَفَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ أَوْ رَأْي بَعْضِ مَشَايِخِ الشَّامِ مِمَّنْ لاَ يُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَلاَ التَّشَهُّدَ وَلاَ أُصُولَ الْفِقْهِ صَنَعَ هَذَا فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْفَارِسِ أَنَّ لَهُ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُخْبِرْنَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لِلْفَارِسِ بِثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَأَمَّا مَا حَكَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لاَ أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ مَحْجُوجًا بِخِلاَفِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لاَ أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى مُسْلِمٍ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ أَعْطَى بِسَبَبِ الْفَرَسِ سَهْمَيْنِ كَانَ مُفَضِّلاً عَلَى الْمُسْلِمِ إذْ كَانَ إنَّمَا يُعْطِي الْمُسْلِمَ سَهْمًا انْبَغَى لَهُ أَنْ لاَ يُسَوِّيَ الْبَهِيمَةَ بِالْمُسْلِمِ وَلاَ يُقَرِّبَهَا مِنْهُ وَإِنَّ هَذَا كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَ الْفَارِسَ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَ إلَى اتِّخَاذِ الْخَيْلِ فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاط الْخَيْلِ‏}‏ فَإِذَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَصَفْنَا فَإِنَّمَا سَهْمَا الْفَرَسِ لِرَاكِبِهِ لاَ لِلْفَرَسِ وَالْفَرَسُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُهُ فَارِسُهُ بِعَنَائِهِ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ فِيهِ وَمَا مَلَّكَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا تَفْضِيلُ الْأَوْزَاعِيِّ الْفَرَسَ عَلَى الْهَجِينِ وَاسْمُ الْخَيْلِ يَجْمَعُهُمَا فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ قَالَ أَغَارَتْ الْخَيْلُ بِالشَّامِ فَأَدْرَكَتْ الْخَيْلُ مِنْ يَوْمِهَا وَأَدْرَكَتْ الْكَوَادِنُ ضُحًى وَعَلَى الْخَيْلِ الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حَمْصَةَ الْهَمْدَانِيُّ فَفَضَّلَ الْخَيْلَ عَلَى الْكَوَادِنِ وَقَالَ لاَ أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ كَمَا لَمْ يُدْرِكْ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ هَبِلَتْ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أَذْكَرَتْ بِهِ أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَهُمْ يَرْوُونَ فِي هَذَا أَحَادِيثَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا أَثْبَتُ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ كَانَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ وَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ هَذَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينِ وَالْمَقَارِيفِ وَلَوْ كُنَّا نُثْبِتُ مِثْلَ هَذَا مَا خَالَفْنَاهُ‏.‏ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي الدِّيوَانِ رَاجِلاً وَدَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ غَازِيًا رَاجِلاً ثُمَّ ابْتَاعَ فَرَسًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ وَأُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ فَارِسٌ أَنَّهُ لاَ يُضْرَبُ لَهُ إلَّا سَهْمُ رَاجِلٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيوَانٌ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ وَتَتَابَعَ عَلَى ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ حُجَّةٌ وَنَحْنُ أَيْضًا نُسْهِمُ لِلْفَارِسِ كَمَا قَالَ فَهَلْ عِنْدَهُ أَثَرٌ مُسْنَدٌ عَنْ الثِّقَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ سَهْمَ فَارِسٍ لِرَجُلٍ غَزَا مَعَهُ رَاجِلاً ثُمَّ اسْتَعَارَ أَوْ اشْتَرَى فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَيُفَسِّرُهَا هَكَذَا وَعَلَيْهِ فِي هَذَا أَشْيَاءُ أَرَأَيْت لَوْ قَاتَلَ عَلَيْهِ بَعْضَ يَوْمٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرِ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ سَاعَةً أَكُلُّ هَؤُلاَءِ يُضْرَبُ لَهُمْ بِسَهْمِ فَرَسٍ وَإِنَّمَا هُوَ فَرَسٌ وَاحِدٌ هَذَا لاَ يَسْتَقِيمُ وَإِنَّمَا تُوضَعُ الْأُمُورُ عَلَى مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْجُنْدُ فَمَنْ دَخَلَ فَارِسًا أَرْضَ الْحَرْبِ فَهُوَ فَارِسٌ وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلاً فَهُوَ رَاجِلٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الدَّوَاوِينُ مُنْذُ زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه إلَى يَوْمِك هَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَقَدْ زَعَمَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ عَلَى مَا قَالَ وَعَابَ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ أَنْ يَقُولَ قَدْ جَرَتْ السُّنَّةُ بِغَيْرِ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ مُفَسِّرَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهَا بِغَيْرِ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ وَلاَ خَبَرٍ ثَابِتٍ ثُمَّ قَالَ الْأَمْرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الدِّيوَانُ مُنْذُ زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَهُوَ لاَ يُخَالِفُ فِي أَنَّ الدِّيوَانَ مُحْدَثٌ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دِيوَانٌ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ صَدْرٍ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ وَأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا دَوَّنَ الدِّيوَانَ حِينَ كَثُرَ الْمَالَ وَالسُّنَّةُ إنَّمَا تَكُونُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ فَهَذَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِأَنَّهُ لاَ يُسْهَمُ عِنْدَهُ وَلاَ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرُ الْقِتَالِ فَارِسًا فَكَيْفَ يُعْطَى بِفَرَسِهِ مَا لاَ يُعْطَى بِبَدَنِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ قَاتَلَ هَذَا عَلَيْهِ يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا أَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ سَهْمَ فَارِسٍ فَلاَ يُعْطَى بِفَرَسٍ فِي مَوْضِعَيْنِ كَمَا لاَ يُعْطَى لَوْ قَاتَلَ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ غَنِيمَةً فَلاَ يُعْطَى بِشَيْءٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَالسَّهْمُ لِلْفَارِسِ الْمَالِكِ لاَ لِمَنْ اسْتَعَارَ الْفَرَسَ يَوْمًا وَلاَ يَوْمَيْنِ إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ فَارِسًا الْقِتَالَ وَلَوْ بَعَّضْنَا بَيْنَهُمْ سَهْمَ الْفَرَسِ مَا زِدْنَاهُ عَلَى سَهْمِ فَرَسٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ أَسْهَمْنَا لِلرَّاجِلِ وَمَاتَ لَمْ نَزِدْ وَرَثَتَهُ عَلَى سَهْمٍ وَاحِدٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ سَهْمُهُ إلَى بَعِيرٍ اقْتَسَمُوهُ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ إنِّي إنَّمَا أَسْهَمْت لِلْفَارِسِ إذَا دَخَلَ بِلاَدَ الْحَرْبِ فَارِسًا لِلْمُؤْنَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ قُلْنَا فَمَا تَقُولُ إنْ اشْتَرَى فَرَسًا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِ الدِّيوَانُ فِي أَدْنَى بِلاَدِ الْحَرْبِ بِسَاعَةٍ‏؟‏ قَالَ يَكُونُ فَارِسًا إذَا ثَبَتَ فِي الدِّيوَانِ قُلْنَا فَمَا تَقُولُ فِي خُرَاسَانِيٍّ أَوْ يَمَانِيٍّ قَادَ فَرَسًا مِنْ بِلاَدِهِ حَتَّى أَتَى بِلاَدَ الْعَدُوِّ فَمَاتَ فَرَسُهُ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ‏؟‏ قَالَ فَلاَ يُسْهَمُ لَهُ سَهْمُ فَرَسٍ‏؟‏ قُلْنَا فَقَدْ أَبْطَلْت مُؤْنَةَ هَذَيْنِ فِي الْفَرَسِ وَهَذَانِ أَكْثَرُ مُؤْنَةً مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ قَبْلَ الدِّيوَانِ بِسَاعَةٍ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يُقْتَلُ أَنَّهُ لاَ يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمٍ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ‏:‏ ‏{‏أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ‏}‏ فَاجْتَمَعَتْ أَئِمَّةُ الْهَدْيِ عَلَى الْإِسْهَامِ لِمَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ اُسْتُشْهِدَ مَعَهُ بِسَهْمٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَغَانِمِ قَطُّ وَأَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ وَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ‏}‏‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَا قَالَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَيْءِ وَغَيْرِهِ حَالٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ وَقَدْ‏:‏ ‏{‏أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله تعالى عنه فِي بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا فَقَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ وَأَجْرُك قَالَ وَأَسْهَمَ أَيْضًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا فَقَالَ وَأَجْرِي‏؟‏ فَقَالَ وَأَجْرُك‏}‏ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَشْرَكَ قَوْمًا لَمْ يَغْزُوا مَعَ الْجُنْدِ لَمْ يَتَّسِعْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ مُسِيئًا فِيهِ وَلَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ فِي هَذَا مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ نَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَلاَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَلاَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدْ قُتِلَ بِهَا رَهْطٌ مَعْرُوفُونَ فَمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ‏.‏ وَهَذَا مَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ فَعَلَيْك مِنْ الْحَدِيثِ بِمَا تَعْرِفُ الْعَامَّةُ وَإِيَّاكَ وَالشَّاذَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ‏:‏ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَعَا الْيَهُودَ فَسَأَلَهُمْ فَحَدَّثُوهُ حَتَّى كَذَبُوا عَلَى عِيسَى فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي فَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي وَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ عَنِّي‏}‏ مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ ‏"‏ إذَا أَتَاكُمْ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظُنُّوا أَنَّهُ الَّذِي هُوَ أَهْدَى وَاَلَّذِي هُوَ أَتْقَى وَاَلَّذِي هُوَ أَحْيَا ‏"‏ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَقْبَلْت فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى الْكُوفَةِ فَشَيَّعَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه يَمْشِي حَتَّى انْتَهَيْنَا إلَى مَكَان قَدْ سَمَّاهُ‏.‏ ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ لِمَ مَشَيْت مَعَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ‏؟‏ قَالُوا نَعَمْ لِحَقِّنَا قَالَ إنَّ لَكُمْ الْحَقَّ وَلَكِنَّكُمْ تَأْتُونَ قَوْمًا لَهُمْ دَوِيٌّ بِالْقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فَاقْتُلُوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا شَرِيكُكُمْ فَقَالَ قَرَظَةُ لاَ أُحَدِّثُ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا كَانَ عُمَرُ فِيمَا بَلَغَنَا لاَ يَقْبَلُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَلَوْلاَ طُولُ الْكِتَابِ لاََسْنَدْت الْحَدِيثَ لَك وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه لاَ يَقْبَلُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرِّوَايَةُ تَزْدَادُ كَثْرَةً وَيُخْرِجُ مِنْهَا مَا لاَ يَعْرِفُ وَلاَ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَلاَ يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَلاَ السُّنَّةَ فَإِيَّاكَ وَشَاذَّ الْحَدِيثِ وَعَلَيْك بِمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا يَعْرِفُهُ الْفُقَهَاءُ وَمَا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقِسْ الْأَشْيَاءَ عَلَى ذَلِكَ فَمَا خَالَفَ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ‏.‏ حَدَّثَنَا الثِّقَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ‏:‏ ‏{‏إنِّي لاَُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ الْقُرْآنُ وَاَللَّهِ لاَ يُمْسِكُونَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ فَاجْعَلْ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الْمَعْرُوفَةَ لَك إمَامًا قَائِدًا وَاتَّبِعْ ذَلِكَ وَقِسْ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِمَّا لَمْ يُوَضَّحْ لَك فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ‏}‏‏.‏ حَدَّثَنَا الثِّقَةُ‏:‏ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِسْمَةِ هَوَازِنَ أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ سَأَلُوهُ فَقَالَ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَأَسْأَلُ لَكُمْ النَّاسَ إذَا صَلَّيْت الظُّهْرَ فَقُومُوا وَقُولُوا إنَّا نَتَشَفَّعُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامُوا فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي سُلَيْمٍ فَلاَ وَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ أَمَّا مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي تَمِيمٍ فَلاَ وَقَالَ عُيَيْنَةُ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي فَزَارَةَ فَلاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَمَسَّكَ بِحِصَّتِهِ مِنْ هَذَا السَّبْيِ فَلَهُ بِكُلِّ رَأْسٍ سِتُّ فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ فَيْءٍ نُصِيبُهُ‏}‏ فَرَدُّوا إلَى النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فَرَدَّ النَّاسُ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا حَالٌ لاَ تُشْبِهُ حَالَ النَّاسِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا أَمَرَ جُنْدًا أَنْ يَدْفَعُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ السَّبْيِ إلَى أَصْحَابِ السَّبْيِ بِسِتِّ فَرَائِضَ كُلُّ رَأْسٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَنْفُذْ وَلَمْ يَسْتَقِمْ وَلاَ تُشْبِهُ الْأَئِمَّةُ فِي هَذَا وَالنَّاسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَهَذَا حَيَوَانٌ بِعَيْنِهِ بِحَيَوَانٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ بَدْرٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْهِمْ لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فَهُوَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَمَا زَعَمَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ أُحْرِزَتْ وَعَاشَ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ يَزْعُمُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ لَهُ سَهْمًا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَقَدْ خَالَفَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنِيمَةَ وَأَعْطَى عُبَيْدَةَ سَهْمَهُ وَهُوَ حَيٌّ وَلَمْ يَمُتْ عُبَيْدَةُ إلَّا بَعْدَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ فَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِعُثْمَانَ وَلِطَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْهَمَ لِسَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا وَإِنَّمَا نَزَلَ تَخْمِيسُ الْغَنِيمَةِ نَفَلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَسْهُمِ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِهِ كَسُهْمَانِ مَنْ شَهِدَ فَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمُتَظَاهِرَةُ عِنْدَنَا فَكَمَا وَصَفْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ‏}‏ فَكَانَتْ غَنَائِمُ بَدْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى‏}‏ بَعْد بَدْرٍ عَلَى مَا وَصَفْت لَك يَرْفَعُ خُمُسَهَا وَيُقَسِّمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا وَافِرًا عَلَى مَنْ حَضَرَ الْحَرْبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا السَّلَبَ فَإِنَّهُ سُنَّ أَنَّهُ لِلْقَاتِلِ فِي الْإِقْبَالِ فَكَانَ السَّلَبُ خَارِجًا مِنْهُ وَإِلَّا الصَّفِيَّ فَإِنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ سَهْمِهِ مِنْ الْخُمُسِ وَإِلَّا الْبَالِغِينَ مِنْ السَّبْيِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِيهِمْ سُنَنًا فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَفَادَى بِبَعْضِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَالْإِمَامُ فِي الْبَالِغِينَ مِنْ السَّبْيِ مُخَيَّرٌ فِيمَا حَكَيْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّهُ فِيهِمْ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَسَبِيلُهَا سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ اسْتَرَقَّ مِنْهُمْ أَحَدًا فَسَبِيلُ الْمَرْقُوقِ سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ أَقَادَ بِهِمْ بِقَتْلٍ أَوْ فَادَى بِهِمْ أَسِيرًا مُسْلِمًا فَقَدْ خَرَجُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ كَمَا وَصَفْت وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي سَبْيِ هَوَازِنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوْهَبَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَمَا قَالَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُسْلِمُ كَالْمُسْلِمِينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا طَابُوا عَنْهُ أَنْفُسًا وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَمِنَ سِتَّ فَرَائِضَ بِكُلِّ سَبْيٍ شَحَّ بِهِ صَاحِبُهُ فَكَمَا قَالَ وَلَمْ يُكْرِهْهُمْ عَلَى أَنْ يَحْتَالُوا عَلَيْهِ بِسِتِّ فَرَائِضِ إنَّمَا أَعْطَاهُمْ إيَّاهَا ثَمَنًا عَنْ رِضًا مِمَّنْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَرْضَ عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ عَجُوزًا وَقَالَ أُعَيِّرُ بِهَا هَوَازِنَ فَمَا أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ خَدَعَهُ عَنْهَا أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَك فَوَاَللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتهَا مَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ وَلاَ بَطْنُهَا بِوَالِدٍ وَلاَ جَدُّهَا بِمَاجِدٍ فَقَالَ حَقًّا مَا تَقُولُ‏؟‏‏.‏ قَالَ إي وَاَللَّهِ قَالَ فَأَبْعَدَهَا اللَّهُ وَأَبَاهَا وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا عِوَضًا‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً فَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَنْ لاَ يَرْوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ الثِّقَاتِ وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَاسْتَسْلَفَ بَعِيرًا وَقَضَى مِثْلَهُ وَإِذَا زَعَمَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً لِأَنَّهُ لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ وَلاَ يُذْرَعُ وَلاَ يُعْلَمُ إلَّا بِصِفَةٍ وَقَدْ تَقَعُ الصِّفَةُ عَلَى الْبَعِيرَيْنِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَانِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لاَ يُجِيزُ الْحَيَوَانُ نَسِيئَةً فِي الْكِتَابَةِ وَمَهْرِ النِّسَاءِ وَالدِّيَاتِ وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهَا فِي الدِّيَاتِ بِصِفَةٍ إلَى ثَلاَثِ سِنِينَ فَقَدْ أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيئَةً فَكَيْفَ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يُجِيزُهَا نَسِيئَةً وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجَازُوهَا فِي الْكِتَابَةِ وَمُهُورِ النِّسَاءِ نَسِيئَةً فَقَدْ رَغِبَ عَمَّا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ وَدَخَلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ لَهُمْ إلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلاَ أُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ‏}‏ فَمَا أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فِيهِ حُكْمٌ إلَّا بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ بِهِ وَكَذَلِكَ مَا حَرَّمَ شَيْئًا قَطُّ فِيهِ حُكْمٌ إلَّا بِمَا حَرَّمَ بِذَلِكَ أَمْرٌ وَكَذَلِكَ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَاسْتَمْسِكْ بِاَلَّذِي أُوحِيَ إلَيْك إنَّك عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْسَاكَ بِمَا أُوحِيَ إلَيْهِ وَشَهِدَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِ اتِّبَاعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَشَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ هَادٍ مُهْتَدٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ‏}‏ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَهُ أَشْيَاءَ حَظَرَهَا عَلَى غَيْرِهِ مِثْلَ عَدَدِ النِّسَاءِ وَأَنْ يَتَّهِبَ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَفَرَضَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ خَفَّفَهَا عَنْ غَيْرِهِ مِثْلَ فَرْضُهُ عَلَيْهِ أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ وَلَمْ يَفْرِضْ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ‏}‏ يَعْنِي مِمَّا خُصَّ بِهِ دُونَهُمْ فَإِنَّ نِكَاحَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَبْلُغُوهُ لِأَنَّهُ انْتَهَى بِهِمْ إلَى الْأَرْبَعِ وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَخْيِيرِ نِسَائِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِمْ فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ الْحَدِيثِ وَعَرْضِهِ عَلَى الْقُرْآنِ فَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَانَ مَحْجُوجًا بِهِ وَلَيْسَ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ الْحَدِيثُ وَلَكِنَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنٌ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ خَاصًّا وَعَامًّا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا ثُمَّ يُلْزِمُ النَّاسَ مَا مَنْ بِفَرْضِ اللَّهِ فَمَنْ قَبِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبِلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلاَ وَرَبِّك لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ وَبَيَّنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَا أَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ فَيَقُولُ لاَ نَدْرِي مَا هَذَا مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَخَذْنَا بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى دَخَلَ مَنْ رَدَّ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ مَا احْتَجَّ بِهِ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلاَ تَحْرِيمُ جَمْعِ مَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلاَ تَحْرِيمُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرُ ذَلِكَ‏,‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إذَا دَخَلَ الْجَيْشُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَغَنِمُوا غَنِيمَةً ثُمَّ لَحِقَهُمْ جَيْشٌ آخَرُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا بِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ مَدَدًا لَهُمْ وَلَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا حَتَّى خَرَجُوا بِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِيهَا‏,‏ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قَدْ كَانَتْ تَجْتَمِعُ الطَّائِفَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِ الرُّومِ وَلاَ تُشَارِكُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا صَاحِبَتَهَا فِي شَيْءٍ أَصَابَتْهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَالِي جَمَاعَةٍ وَلاَ عَالِمٌ‏,‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ ‏{‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ إلَى أَوْطَاسٍ فَقَاتَلَ مَنْ بِهَا مِمَّنْ هَرَبَ مِنْ حُنَيْنٍ وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ سَبَايَا وَغَنَائِمَ فَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَسَّمَ مِنْ غَنَائِمِ أَهْلِ حُنَيْنٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَهْلِ أَوْطَاسٍ وَأَهْلِ حُنَيْنٍ وَلاَ نَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ غَنِيمَةً وَاحِدَةً وَفَيْئًا وَاحِدًا‏}‏ وَحَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَزِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ الثَّعْلَبِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ أَمْدَدْتُك بِقَوْمٍ فَمَنْ أَتَاك مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ تَنْفُقَ الْقَتْلَى فَأَشْرِكْهُ فِي الْغَنِيمَةِ‏.‏ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه بَعَثَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَدَدًا لِزِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وَلِلْمُهَاجِرِينَ أَبِي أُمَيَّةَ فَوَافَقُوا الْجُنْدَ قَدْ افْتَتَحَ الْبُحْثُرَ فِي الْيَمَنِ فَأَشْرَكَهُمْ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَمَا كُنْت أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْرِفُ السُّنَّةَ وَالسِّيرَةَ يَجْهَلُ هَذَا أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ غَزَا أَرْضَ الرُّومِ جُنْدٌ فَدَخَلَ فَأَقَامَ فِي بَعْضِ بِلاَدِهِمْ ثُمَّ فَرَّقَ السَّرَايَا وَتَرَكَ الْجُنْدَ رِدْءًا لَهُمْ لَوْلاَ هَؤُلاَءِ مَا اقْتَرَبَ السَّرَايَا أَنْ يَبْلُغُوا حَيْثُ بَلَغُوا وَمَا أَظُنُّهُ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ جُنْدٌ عَظِيمٌ فِي طَائِفَةٍ أَخْطَأَهُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا فِيهِمْ وَمَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَسَّطَ الْغَنَائِمَ مُفْتَرِقَةً عَلَى كُلِّ سَرِيَّةٍ أَصَابَتْ شَيْئًا مَا أَصَابَتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ إلَى أَوْطَاسٍ فَغَنِمَ غَنَائِمَ فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ كَانَ مَعَ أَبِي عَامِرٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ وَلَيْسَ مِمَّا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَخَالَفَهُ هُوَ فِيهِ بِسَبِيلِ أَبُو عَامِرٍ كَانَ فِي جَيْشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ بِحُنَيْنٍ فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اتِّبَاعِهِمْ وَهَذَا جَيْشٌ وَاحِدٌ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ رِدْءٌ لِلْأُخْرَى وَإِذَا كَانَ الْجَيْشُ هَكَذَا فَلَوْ أَصَابَ الْجَيْشُ شَيْئًا دُونَ السَّرِيَّةِ أَوْ السَّرِيَّةُ شَيْئًا دُونَ الْجَيْشِ كَانُوا فِيهِ شُرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ جَيْشٌ وَاحِدٌ وَبَعْضُهُمْ رِدْءٌ لِبَعْضٍ وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَسَارُوا أَيْضًا فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ فَكَذَلِكَ شَرِكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الْأُخْرَى فِيمَا أَصَابُوا فَأَمَّا جَيْشَانِ مُفْتَرِقَانِ فَلاَ يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا وَلَيْسَا بِجَيْشٍ وَاحِدٍ وَلاَ أَحَدُهُمَا رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ مُقِيمٌ لَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُشْرِكَ أَهْلَ طَرَسُوسَ وَغَذْقَذُونَةَ مَنْ دَخَلَ بِلاَدَ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُعِينُونَهُمْ أَوْ يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ حِينَ يَنَالُونَ نُصْرَتَهُمْ فِي أَدْنَى بِلاَدِ الرُّومِ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكُ الْجَيْشُ الْوَاحِدُ الدَّاخِلُ وَاحِدًا وَإِنْ تَفَرَّقَ فِي مِيعَادِ اجْتِمَاعٍ فِي مَوْضِعٍ وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٌ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فَمَنْ أَتَاك مِنْهُمْ قَبْلَ تَنْفُقُ الْقَتْلَى فَأَشْرِكْهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ فَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْ عُمَرَ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُ كُنَّا أَسْرَعَ إلَى قَبُولِهِ مِنْهُ وَهُوَ إنْ كَانَ يُثْبِتُهُ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُ هُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْجَيْشَ لَوْ قَتَلُوا قَتْلَى وَأَحْرَزُوا غَنَائِمَهُمْ بُكْرَةً وَأَخْرَجُوا الْغَنَائِمَ إلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ عَشِيَّةً وَجَاءَهُمْ الْمَدَدُ وَالْقَتْلَى يَتَشَحَّطُونَ فِي دِمَائِهِمْ لَمْ يَشْرَكُوهُمْ وَلَوْ قَتَلُوهُمْ فنفقوا وَجَاءُوا وَالْجَيْشُ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ قَدْ أَحْرَزُوا الْغَنَائِمَ بَعْدَ الْقَتْلِ بِيَوْمٍ وَقَبْلَ مَقْدَمِ الْجَيْشِ الْمَدَدِ بِأَشْهُرٍ شَرِكُوهُمْ فَخَالَفَ عُمَرُ فِي الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ وَاحْتَجَّ بِهِ فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّهُ أَشْرَكَ عِكْرِمَةَ فَإِنَّ زِيَادًا كَتَبَ فِيهِ إلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ فَكَلَّمَ زِيَادٌ أَصْحَابَهُ فَطَابُوا نَفْسًا أَنْ أَشْرَكُوا عِكْرِمَةَ وَأَصْحَابَهُ مُتَطَوِّعِينَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا قَوْلُنَا وَهُوَ يُخَالِفُهُ وَيُرْوَى عَنْهُ خِلاَفُ مَا رَوَاهُ عَنْهُ أَهْل الْعِلْمِ بِالْغَزْوِ‏.‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِي الْمَرْأَةِ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَنْفَعُ النَّاسَ لاَ يُسْهَمُ لَهَا وَيُرْضَخُ لَهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ‏:‏ ‏{‏أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ بَعْدَهُ‏}‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى مَا كُنْت أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ الْفِقْهَ يَجْهَلُ هَذَا مَا يَعْلَمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِلنِّسَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ غَزْوِهِ وَمَا جَاءَ فِي هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ كَثِيرٌ لَوْلاَ طُولُ ذَلِكَ لَكَتَبْت لَك مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ قَالَ كَتَبَ نَجْدَةُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏كَانَ النِّسَاءُ يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُرْضِخُ لَهُنَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يَكُنْ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ‏}‏ وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا كَثِيرٌ وَالسُّنَّةُ فِي هَذَا مَعْرُوفَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُرْضِخُ لَهُنَّ وَلاَ يُسْهِمُ وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا كَثِيرٌ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ حِجَازِيِّينَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَتَبَ إلَى نَجْدَةَ كَتَبْت تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَذَكَرَ كَلِمَةً أُخْرَى وَكَتَبْت تَسْأَلُنِي هَلْ‏:‏ ‏{‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فَلَمْ يَكُنْ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ وَلَكِنْ يُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ‏}‏ وَإِنَّمَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَى حَدِيثِ رَجُلٍ ثِقَةٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا بِيَهُودِ وَنِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَضَرَبَ لِلْيَهُودِ وَلِلنِّسَاءِ بِمِثْلِ سُهْمَانِ الرِّجَالِ‏,‏ وَالْحَدِيثُ الْمُنْقَطِعُ لاَ يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَنَا وَإِنَّمَا اعْتَمَدْنَا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَقَدْ رَأَيْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي قَبْلَنَا يُوَافِقُونَ ابْنَ عَبَّاسٍ‏,‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى فِيمَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيُقَاتِلُ مَعَهُمْ الْعَدُوَّ لاَ يُسْهَمُ لَهُمْ‏,‏ وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ‏,‏ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ غَزَا مَعَهُ مِنْ يَهُودَ وَأَسْهَمَ وُلاَةُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ لِمَنْ اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس‏,‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى مَا كُنْت أُحِبُّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يَجْهَلُ هَذَا وَلاَ يَشُكُّ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏اسْتَعَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِ قَيْنُقَاعَ فَرَضَخَ لَهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ‏}‏ وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ وَالسُّنَّةُ فِيهِ مَعْرُوفَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَالْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعُذْرُ الْأَوْزَاعِيِّ فِيهِ مَا وَصَفْت قَبْلَ هَذَا وَقَدْ رَأَيْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا رَضَخَ لِمَنْ اسْتَعَانَ بِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ رَوَى فِيهِ حَدِيثًا مَوْصُولاً لاَ يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ‏.‏